من طَّــلقَ يـزني!

أهلا وسهلا بالأخت وردة صرافيان

عاينت وردة حالتَيْ ” طلاق “، كما تُسَّـميهما، عقبهما زواجٌ ثانٍ فتأّثرت. بل وآغتاضت لأنها حسبته مخالفا لما قرأته في الأنجيل : ” من طَّلقَ إمرأتَه وتزَّوجَ غيرَها زنى عليها. وإنْ طَّلقتْ امرأةٌ زوجَها وتزوَّجتْ غيرَه زنت ” (مر10: 11-12؛ متى5: 31). ونحن مؤمنون بأنَّ الأنجيل هو دستورُ الحياة المسيحية وقياسُها في التعليم والأخلاق. وصاغت وردة أسئلتها كما يلي :

1- تزوَّجَ (م) ، وبعد إنجاب طفلين إتهم زوجته بالزنى، فطَّـلقها كنسيًا. ثم تزوَّجَ فتـاةً عزباء(ن). هل هذا الزواج الثاني يُعتبر زنى ً أم لا؟. و هل تُعتَبَرُ الزوجة الثانية (ن) زانية أم لا ؟.{ لأنَّ الرجلَ ” مطّلق”؟} !.

2- تزوَّجت (س)، ثم طلَّقتْ ، وبعده تزوَّجتْ ثانيةً ومن شاب (ع) أعزب. هل تُعتبرُ المرأة زانيةً ؟. وهل يُعتبرُ الرجلُ (ع) زانيا؟. { لأنَّ المرأةَ ” مُطّلِقة }!.

فمن يُطَّـلقُ ويزني : هل يغفـرُ لهُ يسوع أم يُحاسِــبُه ؟.

الطـلاق  و المســاواة و الكنيسة !

قبلَ كل شيء لاتُمَّيزُ الكنيسةُ بين ” الذكر والأنثى ” |< الرجل والأمرأة>|. يسري التعليم والقانون على كليهما بالتساوي. لقد قال الرسول :” لا فرق بين…رجل وآمرأة. فأنتم كلكم واحدٌ في المسيح يسوع “(غل3: 28). وكما قال مار بطرس للرجال بأنَّ النساء :” شريكاتٌ لكم في ميراثِ نعمةِ الحياة “(1بط3: 7). والطـلاقُ مرفوضٌ بذاتِه وفي مفهومِه الدنيوي. لقد أكَّدَ الربُ يسوع أنَّ الزواج من تأسيس إلهـي ، وأنَّ ما ” جمعَه اللهُ لا يُفَّـرقُهُ الأنسان “(مر 10: 6-9؛ متى19: 4-6). وقد خَّـولَ اللهُ كنيسـتَه صلاحياتِه الألهية الخّاصة مع ضمان عصمتها من الخطـأ في شـأن الأيمان والأخلاق (متى16: 18-19). وقد إستعملَ مار بولس هذه الصلاحية لحَّل مشاكلَ زواجية بحَّلِ الزواج الأول لصالح الأيمان قائلاً: ” أما الآخرون فأقولُ لهم أنا لا الرب “(1كور7: 12-16).

الـزنى  و الإفـتراق !

بما أنَّ الأنسان حُّرٌ يقدر أن يُخالف ، وبما أنه ضعيفُ يمكن أن يخطـأ فيسقط. ومن هذا القبيل قد يخطأ المتزوجون ضد الزواج نفسِه. فإذا آشتركَ زوجٌ أو زوجةٌ مع شريك ثالث فهو يزني. وقد يقعُ بسببه الطلاق بين الزوجين. لكن الرب لم يسمحْ للطلاقِ لأي عّذرٍ كان ومهما كانت الحُّجة. فالزواجُ الصحيحُ المعقود حسب شريعةِ الله – وهذا ما يعني أن اللهَ جمَعَ بين الزوجين – وأصبحَ الزوجان إنسانا واحدا كاملا، لا قوةَ < بشرية > على الأرض تقدر أن تحُّله وتُفَّرق بين الزوجين. الكنيسة وحدَها تقدرُ ، بسلطانها الألهي، أن تُحَّله لصالح الأيمان. ومن هذا المبدأ وآستنادا الى العبارة الأعتراضية التي ذكرها متى ” إلا في حالةِ الزنى”(19: 9) إعتادت الكنائس،غير الكاثوليكية ، أن تعتبرَ الزنى تحطيما للزواج وزوالَه.

فتحُّلُ الرباط الأول وتُفَّرقُ بين الزوجين وتسمح لهما بزواج ثانٍ. أما الكنيسة الكاثوليكية ، وآستنادا الى التقليد المسيحي وتفسير الأنجيل رأت في عبارة متى أنَّ تلك الحالة هي شاذة وغير طبيعية. وربما قد تعني أنَّ الزواج غير شرعي في الأساس ، كالزواج المدني أو حالات التسَّري والمشابهة لها. في حالة صحة الزواج الأول وحدوث الزنى تدرسُ الحالة في محكمةٍ كنسية لتعرف أسباب ذلك. ربما يكون حدثا عابرا ، أوتمَّ في ظروفٍ تقللُ من حرية وإرادة الزاني بحيث قام بالفعل مرغما، أو ربما دفعه شريكه الى ذلك بشكل أو بآخر. فاذا تبيَّنَّ عدم مسؤولية الزاني عن فعله ، أو وقع الأمر بشكل عابر دون تصميم أو قصد أو رغبة بالأستمرار فيه عندئذ يطلب من الشريك البريء أن يسامح شريكه الزاني ويُسـاعدَه على إزالةِ الشر والتغلب على آثاره السلبية.

أما إذا تبيَّن بأنَّ للزاني جذورا قديمة وآقتناعا بحرية
العلاقة الجنسية حتى من قبل أن يتزوج فعندئذ تتساءَلُ الكنيسة
: هل جمعَ اللهُ بين هذا الزاني وشريكه؟ وبمعنى آخرهل قام
زواجُهنا على أساس صحيح ؟. وإذا تبيَّن أن الخلل يرتقي الى
أبعد من عقد الزواج وأنه في عقيدة الزاني، وأنَّ حالة الزنى
عنده طبيعية ومستمرة ، عندئذ تعتبرُ الزواجَ باطلا من أساسِه.
أى لم يجمع اللهُ بينهما. وفي هذه الحالة يكون التفريقُ بينهما
واجبا، إلا إذا أرادا تصحيح حالهما وتغـيير فكرهما وسلوكهما.

هذه الأمور كما تبدو للقاريء الكريم لا تتعَّلقُ بارادة الشريك البريء ، بقدر ما تحكمُ فيها الكنيسة بعد إجراءِ محكمةِ تحقيق وتدقيق ، وحسبما تُمليه قوانين الكنيسة المبنية على تعليم الكتاب المقدس. فليس كلُ زنى سبب فراق بين الزوجين. ولا كلُ تفريٍق بينهما هو طلاقٌ حسب منطوق الأنجيل أو حسب المفهوم المدني للكلمة. فإذا كانت محكمةٌ كنيسة قد أعلنت بطلان الزواج لأي سبب كان يجوز بذات الفعل للطرفين أن يعقدا زواجا جديدا دون أن يُنعَتَ بالزنى. وعليه يجبُ التأكيد من الحالتين اللتين ذكرتهما الأخت وردة هل “الطلاقُ” كما سَّمته هو فعلا طلاقٌ خلافا لقوانين الكنيسة ، أم هو إعلانُ بطلان الزواج الأول. فإن كانا “طلاقا محضا “يُعتبرُ الزواج الثاني باطلا والزوجان في حالة زنىً علني. أما إذا كانا “إعلان بطلان ” الزواج الأول فالزواج الجديد صحيح ولا مجال للزنى فيه.

يســوع  و الزنــاة !

وكان السؤال الأخير عما إذا كان يسوع يغفرُ للمطلقين والزنـاة أم يُحاسبُهم!. ذكرَ الأنجيل أنَّ زانية قادَها الفريسيون عند يسوع مستجلين رأيه في هل يرجمونها حسب شريعة موسى أم يدعونها في فسادها و يعدوُ فايروسُها ويُسيءُ الى الآخرين!(يو8: 3-11). نعرفُ القصة ويمكن إعادة الأطلاع عليها بتأنٍ. كانت النتيجة كالآتي:

+> لا يحُّقُ للأنسان أن يُحاسبَ غيرَه. اللهُ وحدّه يُحاسبُ البشر. وشريعة موسى بشرية. أما شريعة الله فهي أنه ” لا يريد موتَ الخاطيْ ، بل أن يتوبَ ويحيا أمامه “(حز18″ 23-27).

+> أن يغفـرَ البشر لبعضهم لا أن ينتقموا ويثأروا لحَّقهم :” لا تقاوموا الشرير. من لطمك على خّدك الأيمن حَّولْ له الآخر”(متى5: 39)، والغفران لا مرة واحدة بل:” سبعين مرةً سبع مرات “(متى18: 22) في اليوم الواحد!.

+> والزاني عليه أن يتوب ويُصلحَ سلوكَه :” إذهبي ولا تُخطِئي
بعدَ الآن ” (آية11).

+> فالحُبُ ليس جنسًا. الحبُ بذل وعطاء حد التضحية بالذات من أجل المحبوب (يو15: 13). وليست الشهوة حُبا. إنها فقط لـذة وضعها الخالق في الأنسان من أجل الأنجاب وراحة الأندماج الكلي للزوجين مع بعضهما لتحقيق وحدة الأنسانية فيهما :” فليس الزوجان إثنين ، بل إنسانٌ واحد “(متى19: 6). لذا لا يحُّق للأنسان ان يُفَّرطَ في طاقةِ اللذة عبثًا خارج حدود الزواج. ولذا تُعتبرُ زنىً/خطيئةً العلاقةُ الجنسية مع غير شريك الزواج.

والنتيجـة : لم يُعاقبْ يسوعُ الزانية ، بل عاتبَها وغفرَ لها بعدَ أنْ حاسبَها. ومُحاسبَتُهُ لم تكن بالقصاص. بل بالدعوة الى إصلاح السيرة. فأعطـاها فرصةِ لذلك ، وحتى لا تخسرَ الحياةِ الأبدية ، كما سبق وعَّلم: ” قصبة مرضوضة لا تكسرْ، وفتيلة مدّخنة لا تُطفِئ ” (متى12: 20). جاءَ يسوع ن أجل إنقاذ الخطأة من تعاستهم لأنه ” يريدُ رحمةً لا ذبيحة “. وجاءَ ” يدعو الخاطئين (متى9: 13)، حتى دعاهُ الفريسيون ” صديق العَّشارين والخاطئين” (متى 11 : 19).

القس بـول ربــان