سر العماد

لعماد هو سر به يولد الإنسان روحياً ولادة ثانية بغسل الماء بدعوة الأقانيم الإلهية الثلاثة (يو3: 5؛ تيط3 :5 ؛ اف5: 26). إنه سر الميلاد الجديد بالماء والكلام، المطٍّهر والمقدٍّس، هو السر الأول والأساسي (يو3 :5). إنه يقدس بالروح القدس وبنعمة يسوع المسيح، وهذا بإدخال قانوني وتقديس في الكنيسة التي بها حياة المسيح المخلص الإلهية والأنسانية. كبداية جديدة وفي الوقت ذاته وجدت الإنسانية التي سقطت بشخص الإنسان الأول، حضوراً في العالم جسدياً وسرياً لا يقهر. هذا الأدخال في الخلاص الذي غدا متجسداً سرياً في جسد المسيح الذي هو الكنيسة وينعشه روح المسيح ويقدسه، قد ختم بطريقة لا تُمحى (2كو1: 21؛4: 3). بطابع العماد مما يجعل هذا السر غير قابل التجديد.

انطلاقاً مع هذا المفهوم يكون الأدخال في الكنيسة هو النتيجة الأولى والأساسية للعماد، ويكون أيضاً (إذا افترضنا الأستعدادات المطلوبة) الوسيلة التي بها نبلغ إلى ملئ النعمة العمادية، نعمة تجديد وتبرير الأنسان القديم (اف4: 22) (كول1: 10). بتأليه داخلي وانخراط في موت يسوع المسيح وقيامته (روم6). وذلك بقوة روحه الحاضر في الكنيسة وتحطيم كل الخطايا والحل من كل العذابات الأبدية والزمنية (اف5: 26).

ولما كان العماد هو السر الوحيد الذي يعطي ولادة جديدة لحياة جديدة في المسيح، فإن هذه الحياة الجديدة عينها لا يمكن الحصول عليها بدونه (يو3 : 5، مر16: 26). ولكن لما كان يمنحها كسر شركة الدخول البدئي في الجماعة المسيحية (1كو12: 13). وبالتالي كسر النعمة الموجودة في الوجود التاريخي الظاهر لهذه الجماعة، غدت الحاجة إليه للخلاص مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحاجة الكنيسة ذاتها للخلاص.

إن ما يؤكد لنا بأن العماد هو سر وضعه المسيح في الكنيسة هو الكتاب المقدس بعهديه: ففي العهد القديم نرى رموزاً على ذلك فيرى الرسل والآباء أن رفرفة روح الله على وجه المياه يرمز إلى العماد، كذلك الطوفان (1بط3: 20-21) والختان (كول2: 11-12). وعبور البحر الأحمر (1كو10: 2). وعبور نهر الأردن (يشوع بن نون 3: 14). وغطس نعمان الآرامي سبع مرات في الأردن (4ملوك5: 14) وهناك نبوءة صريحة عن ذلك في حزقيال (36: 25) سأنضح عليكم ماءاً طاهراً، فتتطهرون من جميع نجاستكم وأطهركم من جميع اصنامكم (اش1 :16؛4: 4، زكر13: 1).

الرب يسوع نفسه اعتمد على يد يوحنا في الأردن (مت3: 13). ثم وكَّل إلى تلاميذه مهمة منح العماد (يو4: 2) وشرح لنيقوديموس ماهية العماد وضرورته (يو3: 3-5) وأمر رسله قبل صعوده أمراً عاماً بمنحه (مت28: 19)، (يو3: 5). إن لم يولد أحد (وفي الترجمة اللاتينية والبسيطة: إن لم يولد ثانية) من الماء والروح (وفي الترجمة اللاتينية (من الروح القدس) فلا يقدر أن يدخل ملكوت الله (مت28: 18). قد أُعطيت كل سلطان في السماء والأرض. إذهبوا الآن وتلمذوا كل الأمم معمدين اياهم باسم الأب والابن والروح القدس (مر16: 15) “إذهبوا إلى العالم اجمع واكرزوا بالأنجيل للخليقة كلها، فمن آمن واعتمد يخلص ومن لم يؤمن يدان”.

فمن هذه النصوص كلها نستخلص كل عناصر مفهوم السر المسيحي. فالعماد هو علامة خارجية للنعمة، ويقوم بغسل الماء وبدعوة الأقانيم الثلاثة، ويولي النعمة الداخلية أي الولادة الجديدة وقد وضعه المسيح لكل الأزمنة، وفعلا عمل الرسل في الكنيسة الأولى بأمر المسيح ومنحوا العماد (اع2: 28، اع8: 9، 36 ،12: 10، 18: 47، 1كو1: 14). وتشهد اقدم وثائق الكنسية، ككتاب تعليم الرسل الأثني عشر (فصل7) ورسالة برنابا (11/11) وكتاب راعي هرماس (9/16) والقديس يوستينوس (دفاع1/61) على أن تعليم تقليد الرسل في العماد لم ينقطع. وأقدم ما أوصلناه عن العماد هو كتاب ترتليانوس (حوالي عام 200).

إذاً العماد هو ضروري للخلاص حسب قول الرب وهذا من الإيمان أيضاً وقد حدده مجمع ترانت وقال بأن العماد هو ضروري للخلاص منذ نشر الإنجيل، هذا بمعنى أن الله قد وضعه بتدبير خاص منه كواسطة لابد منها للخلاص. ولهذا قال الآباء بأن لا خلاص لأحد بدون العماد. وهذا يجب أن نفهمه بروح الأنجيل الذي يبرهن بأن المسيح أتى لخلاص كل البشر وبأنه أسس الكنيسة ليكون الخلاص فيها وبواسطتها. وبما أنه يوجد طرق عديدة في الأشتراك بسرية العماد كينبوع الخلاص: وهذه الطرق هي ثلاث أي العماد بالماء والذي تكلمنا عنه، ثم العماد بالدم إذ به يصل الإنسان إلى سفك دمه لأجل المسيح فيعتمد بدمه، والعماد بالشوق (عماد النار أو عماد الروح القدس).

إن عماد الدم (بالأستشهاد) يبرر الأنسان كمشترك حقيقي بعمل الكنيسة الذي يقوم بالتأكيد على حضور الخلاص النابع من موت المسيح، وعماد الشوق كشوق إما معلن عنه في ندامة توحيها المحبة أو شوق ضمني فقط لسر العماد فهو يبررّ، لأن الإنسان يقبل بهذا الشوق ويلتحف بحرية، في الإيمان والمحبة، الطبيعة البشرية التي وُهبت له والتي هي موضوعيا موجّهة بواسطة سر التجسد نحو المسيح بالذات، والتي لها بانطباقها على إنسانية المسيح المقدسة، معنى شبه سري.

إن ما يعنيه تعبير “العماد بالشوق” يتحقق في الذي يحيا حسب ضميره لأن هذا يتمم إرادة الله. وعلى صعيد تاريخ الخلاص، يجب أن نفهم عماد الشوق ليس إلا بداية، يصبو إلى الكمال في الأنتماء الكامل للكنيسة وفي قبول العماد، ولكن حتى ولو أن هذا الكمال لا يمكن أن يتحقق في حدث معين فأنه يحوي في ذاتيته، كبداية، شمول الخلاص.

“نؤمن بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا” هذه هي علاقة الروح القدس بالمعمودية، إنه يغفر الخطايا، يعطي النعمة المبررة، وهو عمل المسيح القائم من الموت، نفخ في الرسل وأعطاهم الروح وقوة مغفرة الخطايا، وهذه المغفرة تكون بالعماد، إذ نولد ثانية كأبناء لله للحياة الجديدة. يعطينا الحياة من قلبه المطعون إذ يجري لنا في الوقت عينه الروح المحي ودم الأفخارستيا وماء العماد. هذا مايشرحه بطرس يوم العنصرة… “لقد أقامه الله رباً ومسيحاً يسوع هذا الذي صلبتموه… توبوا إذا وليعتمد كل منكم باسم يسوع المسيح لمغفرة الخطايا، فتنالون موهبة الروح القدس” (اع22: 16، روم6: 3، تيط3: 5، يو3: 5، 1كو6: 11، اع2: 36).

عماد يسوع. عمل الثالوث الذي يعمل فينا، نُخلق مجدداً بالروح، نخلص بالرب يسوع ونتقدس بالروح القدس الذي يرفرف منذ ذلك الحين على كل أحواض المعمودية والآب يقول لكل معتمد أو معتمدة هذا هو ابني الحبيب، هذه هي ابنتي الحبيبة، طفلا كان أو شابا. بهذا نُصبح ابناء عائلة واحدة يجب أن نبنيها بحياتنا وبابتعادنا عن الخطيئة. فالعماد يعطى مرة واحدة فقط ويغير الإنسان الذي يجب أن لا يرجع ثانية إلى الخطيئة. (اف4: 20). ولهذا يقول مار بولس أيضاً بأننا قد “دفنا معه.. فاعتبروا نفوسكم مائتين عن الخطيئة..”. (رو6: 4).

العماد هو نقطة الانطلاق، عودة إلى الحياة وكل الحياة، العلامة الأساسية للحياة المسيحية وإليه يعيدنا الإيمان “بمغفرة الخطايا”. وفي نعمته الأولى تجد جذورها شجرة الحياة والشجرة الجديدة التي هي نحن والتي بكل حق ينتظر الرب منها الثمار الصالحة. (هكذا يقول المجمع التريدنتيني” إن نعمة ربنا يسوع المسيح التي تمنح العماد تغفر الخطيئة الأصلية وتمحو كل ما هو خطيئة بالمعنى الحقيقي الخاص” (د792، 895). كما أنه يمحو كل النتائج (عقوبات) المتأتية من الخطيئة ومار بولس يلمح على ذلك حين يُعلّم بأن الأنسان القديم يموت في العماد ويدفن ليقوم إنسان جديد مقامه (روم6: 3). هكذا يقول القديس أوغسطينوس بأن المعتمد الذي يموت فوراً بعد العماد يخلص حالاً).

المجمع الفاتيكاني الثاني يتكلم عن ضرورة المعمودية في الدستور العقائدي عن الكنيسة عدد 14. ويدعوها سر الولوج في الدين المسيحي، في العدد 14 من قراره في نشاط الكنيسة الارسالي. وفي العدد 22 من قراره عن الحركة المسكونية. ثم يقول بأن المعمودية هي رباط الوحدة في المسيح ومع الكنيسة. الحركة المسكونية 2، 3، 4، 22، 23، والمعمودية هي اساس رسالة العلمانيين. ك33 رسالة العلمانيين3. المعمودية تجددنا وتجعل المعمدين أبناء الله. ك10، 11، 21، 28، 40، 6، ل10، ن14، 15، 21، ح م26، ت م2، 8. المعمودية تضم إلى المسيح في سره الفصحي. ك11، 14، 15، 21، 31، 44، ل6، ن14، 21، 36، ح م22. وهي تضم إلى الكنيسة ايضاً. ك11، 14، 32، 64، رع3، 7. هي تضم إلى شعب الله. ح ك خ5. بالتساوي (أي أن الجميع مستساوون في الكنيسة). ك32، هي توحد المسيحيين غير الكاثوليك بالمسيح. ك15، هي تكرّس لكهنوت مقدس ملكي ونبوي للاشتراك في العبادة المسيحية. ك9، 10، 11، 26، 31-3. ل14، ح ك خ12، رع3، هي تطبع وسماً. ك11، هي أساس الدعوة إلى القداسة. ك32، 40، ح ك خ 12، هي أساس التكريس الكلي لله. ك44، ت ح ر5، إنها عطية إيمان. ت م2، نعمة المعمودية تقوي الحياة المسيحية ح م 23.

 

المطران شليمون وردوني