سمي بسرِّ التوبة، أو المغفرة كما في كنيسة المشرق أو سر المصالحة كما يُسمّيه اليوم الكاثوليك، والتسمية تعود الى القديس أوغسطينوس. التوبة –metnoia اهتداء: ابتعاد عن الخطيئة ورجوع الى النعمة – العلاقة. وتعتمد التوبة على محبة الرب ورحمته وقدرته على المغفرة. الله يريدنا شركاء سعداء له، “انا لكم” هذا جوهره، وهو لن يتركنا في اخفاقاتنا المتكررة مثلما لم يترك الاب الحنون ابنه (الشاطر).
خطية الابن الشاطر- ورحمة الاب الحنون
لقد نزع الأبن صفة البنوًة عن ذاته في تحوله الى اجير (طلب المال). اراد ان ينزع صفة الابوة عن والده، ليتحول الى سيد ذاته اسير اناه، يريد الانفصال عن ابيه!
توبته خلق من جديد
- الحلة: استعادة وضعه الاصيل من خلال رمزيّة اللباس (المعمودية) !
- الخاتم: عهد جديد.
- الخفان: مسيرة جديدة.
- الوليمة: شركة وعيد وفرح.
- الغفران مثل النور يشرق في افق حياتنا ويخرجنا من الظلام- الضياع.
الخطيئة فقدان النعمة والعلاقة والوحدة والحرية.
والخطيئة الاكبر اليوم هي عدم الاحساس بالخطيئة اساسا، اللاوعي بها، وخصوصاً بالخطايا الاجتماعية.
عدّت المعمودية سرّ الغفران والولادة الجديدة. لم يكن المُعمَّد يتصور انه سيرتكب بعد معموديته خطيئة ما؟ لكن هيهات! ساد الكنيسة الأولى حالة من القلق والحيرة بشأن مصير المسيحيين الساقطين في الخطيئة بُعَيدَ معموديتهم، وخصوصاً الذين أنكروا إيمانَهم إبّان الاضطهاد خوفاً من الموت، ثم أرادوا العودة اليه عندما هدأ الوضع. كان الاعتقاد ان المعمد قد تنقى واستنار، فلا يجوز له السقوط في الخطيئة، وإذا حصل أن سقط، فعليه انتظار حكم الله بعد الموت، مما حمل اشخاصا عديدين على تأجيل معموديتهم لغاية الشيخوخة أو وقت الموت.
من بين الكتابات التي طرحت موضوع التوبة، كتاب “الراعي” لهرماس نحو 140-155. فالتوبة تشكّل محوره الرئيسي. يرى هرماس ان التوبة توازي المعمودية في غفرانها الخطايا ” المعمودية تغفر الخطايا، والمخلص إذ رأى الضعف البشري وأحابيل الشيطان، تحنن برحمته وأوجد التوبة” (الوصية 4/3-4). ويوصي بإعطائها لمرة واحدة وكأنها معمودية ثانيّة!
الخطايا الثقيلة التي تستوجب التوبة العلنيّة كانت: جحود الايمان والقتل والزنى، وتدخل كلها ضمن انهاء العلاقة. وعدّها بعض اباء الكنيسة خطايا لا تغتفر أبداً، مثل ترتليانس وهيبوليتس ونوفاتيانس. ولكن سمح مجمع قرطاجنة عام 212 وروما عام 251 بقبول رجوع هؤلاء الخطأة شرط خضوعهم لأحكام شديدة واختبار طويل. كان الخاطئ التائب يقطع(يُحرم) من الجماعة لمدة تطول أو تقصر بحسب جسامة ذنبه، ثم يوضع تحت الاختبار مدة قبل ان تقبله الجماعـــة ( صف التائبين الشبيه بصف الموعوظين). الإجراءات كانت صارمة تفوق تلك التي يطلبونها من الشخص الذي يريد الانضمام الى المسيحية، لأن المعمد أثبت انه لم يستطع ان يحيا حياة مسيحية لائقة، لذلك عليه ان يبرهن من جديد ان توبته صادقة ومطلقة هذه المرّة. يذكر ترتليانس ان على التائب ان يعترف بخطاياه بكل تواضع أمام الجميع، وان يستمر في الصلاة والصوم وذرف الدموع والصراخ الى الربّ، ثم يجثو أمام شيوخ الكنيسة لكي ينال المغفرة.
لماذا الكنيسة؟ لان الكنيسة امتداد لسر المسيح ورسالته وبتأسيسه اياها منحها السلطان.
مارست كنيسة المشرق التوبة على وجهين: احدهما علني والاخر سري. التوبة العلنية في حالة ارتكاب احدى الكبائر ( الجحود والقتل والزنى) ولا تمنح الحلة الا عندما يطبق التائب تأديبيات كنسية صارمة كانت تستمر احيانا لفترة طويلة بغية مساعدته على اصلاح ذاته. والحلة كان الاسقف يمنحها بوضع اليد ومسحة الجبين. اما التوبة المنفردة فتشمل ارتكاب خطيئة بسيطة يعطى له عقاب كشرط لمنحه الغفران.
في الغرب، جرت العادة ان يعترف من ارتكب خطيئة جسيمة علنية، بحضور المؤمنين في الكنيسة -أما الخطايا الاخرى البسيطة-العرضية فكان ينال الحلة منها باعتراف سري امام الكاهن. ومنذ القرن السادس انتشرت في الكنيسة اللاتينية طريقة الاعتراف الفردي السري خصوصا عند الرهبان الايرلنديين وسرت شيئا فشيئا على عموم المؤمنين بحيث غدا نظام التوبة هذا شبه ممارسة تقوية رسميّة قبل تناول القربان، وغاب الاعتراف العلني وانحصر بالاعتراف السري رفقا بسمعة المؤمنين.
توجد اربعة شروط لمنح التوبة. ففضلا عن الايمان الصريح، يتطلب انسحاق القلب والندامة، العزم الثابت على اصلاح السيرة من دونه لا فائدة للتوبة، والاقرار الشفوي بالخطايا والتصريح بها امام الكاهن.
وهنا تجدر الاشارة الى ان كل الخطايا مهما كانت كبيرة قابلة للغفران متى تقدمتها توبة صادقة أي ندامة واعتراف والتزام شخصي بالتغيير مدعوم بأيمان متنام بقيمة النعمة والغفران.
ان الكنيسة الكلدانية تمارس سر التوبة على طريقة الكنيسة اللاتينية وتقتصر على الاعتراف الفردي، أي الاقرار بالخطايا ومنح الحلة. وكانت صيغة الحلة لاتينية، غير ان اباء السينودس الاخير تبنوا صيغة موحدة مقتبسة من تراثنا المشرقي: من نص ليشوعياب الثالث الحديابي+ 659
“ يا الهنا المملوء رحمة افض حنانك على خادمك هذا، واغفر خطاياه وخلصه منها، وليجدده روحك القدوس وليثبته في سلوك طريق البرّ والقداسة. ولتكن خطاياك مغفورة باسم الاب والابن والروح القدس الى الابد. امين
وهنا يرسم الكاهن علامة الصليب على راس التائب-الجبين!