أهلا وسهلا بالأخ أنور حـنا
لاحظ الأخ أنور قبل سنتين أن تنبيهًا ما زال يقال في القداس الكلداني هو : ܡܲܢ ܕܠܵܐ ܫܩܝܼܠܵܐ ܠܹܗ ܡܲܥܡܘܿܕܝܼܬܼܵܐ ، ܢܹܐܙܲܠ. وترجمتُه :” من لم يقتبل المعمودية، فليذهب”. و قال : “في البداية كانت تقال عندما كان هناك بالغون يتأَّهبون للعماد”. فسأل :
@ لماذا ما تزالُ هذه الصلاة تقال ؟
@@ هل وجودُ الصلاة يعني قبول البالغ معمودية الروح القدس بقرار شخصي؟ أو يُجَّددُ المعمودية بقوة الروح القدس ؟
صلاة أم تنبيه ؟
يلزم اولا أن نُمَّيز بين ما هو صلاة وما هو فقط تنبيه أو تعليمات توجيهية للأشراف على سير نظام الصلاة. وفي سبيل المثال العبارة التي بين أيدينا. إنها تنبيه فقط،لا صلاة، يُوجِّهُه ” عريفُ الحفل”، المسؤول على تنفيذ النظام أثناء المراسيم، الى الذين لم يعتمدوا بعدُ بأن يُغادروا الكنيسة، لأنَّ الجزءَ التالي، وهو الذبيحي، من القداس يشترك فيه المُعَّمَدون فقط لأنه تأوينُ ذبيحةِ يسوع على الصليب فموتِه فقيامتِه. ذلك أولا بتحويل التقادم، الخبز و الخمر، الى جسد ودم المسيح، وثانيًا بمقاسمة مائدة الرب وتناول جسده ودمه. فعبارة ” من لم يعتمدْ فليذهبْ” ليس صلاةً بل فقط تنبيهًا وتوجيها.
لماذا ما زالت تقال ؟
ربما ما زال يقولها بعض خدام المذبح في حين هي ملغاة منذ المؤتمر الكلداني العام لسنة 1995. والأصلاح الأخير للقداس سنة 2014م ألغاها بشكل رسمي لا يقبل الجدل بسبب إنتفاء الحاجة اليها. لقد تغَّيرت ظروف الحياة. ولا يحضر القداس غير المعمدين. وإذا حضره غيرُ مؤمن، بشكل علني أو متَّخفٍ، أو بمناسبة خاصّة فلا يُطرد من الكنيسة.
علاقة العبارة بتجديد المعمودية !
وجود العبارة، سابقًا أو حتى لو حاليًا: أولا : لا يعني غير ما أوردناه من معنىً.
ثانيًا : لا ترتبط المعمودية بعمرٍ مُعَّين كالطفولة أو البلوغ أو الشيخوخة. إنها ترتبط برغبة البالغ الذي يتقبلها عندما يكون قد تثَّقفَ من الأيمان المسيحي فيُدرك معنى المعمودية أنها تطهيرٌ من آثار الخطيئة الأصلية وإدخالٌ الى حياة جديدة بالنعمة مع يسوع المسيح المنتصر بالقيامة (رم 6: 3-9). أما بالنسبة الى الأطفال فيتعلَّقُ الأمر بحياة وإرادة الوالدين اللذين يُنجبان أطفالاً كاملين، أي يعطيانهم حياة الجسد وحياة الروح التي يمتلكانها. فبما أنَّ الوالدين أبناءُ الله فيوَّرثان أطفالهم بُنُّوةَ الله بإعطائهم إيمانهم، مثل حياتهم، ثم يتكفلان تربية أطفالهم مسيحيًا ليعيشوا حياة أبناء الله في عالم وثني ٍ ضال. و كما لا يحصلُ أنْ يُنجبا، وهم بشر، فراخًا حيوانية كذلك لا يليقُ ولا يحُّق أن يُربيا، وهما مسيحيان، أطفالاً وثنيين. وكما يتحملان مسؤولية الخدمة الجسدية كذلك يلتزمان بواجب الخدمة الروحية. وكما يُنجبُ كلُّ كائنٍ حي، طيرًا كان أم حيوانًا أم دبيبة أم شجرًا أم زهرًا أم خضارًا شبيهًا مثله، هكذا كلُّ عائلة أنسانية، كلُ والدين، يُنجبان أشباهَ لهم في الطبيعة والمعتقد.
وهذا لا يُؤَّثرُ على حرية الطفل وقراره الشخصي. كما يتحملُ الوالدان مسؤولية أولادهم إلى أن يبلغوا فكريًا وجسميًا، وبعد البلوغ يتخذ البالغ مسؤوليته ويمارسُ حريتَه في قرارته و سلوكه، هكذا المسيحي مسؤول عن إيمان أطفاله وسيرتهم الى أن يبلغوا. وعند البلوغ يتخذ كل واحد مسؤوليتَه ويمارس حريته ويعيش حسب قناعته وآختيارِه.
ثالثًا : أما ” تجديدُ المعمودية ” فكلام غريبٌ عن المسيحية. لأن المسيحي يؤمن بأنَّ من إعتمدَ مرةً ” قد لبس المسيح “(غل3: 27) وأصبح إبنًا لله لأنه تخلَّصَ من تداعيات الخطيئة الأصلية. ومهما فعل بعده، حتى لو جحد الله، فهو لن يستعيد آثار الخطيئة الأصلية، ولن يفقد بُنُّـوَتَه لله. ولن يتركه الروح القدس. إنها حالةٌ قد دخل فيها ولن تؤخذ منه. قد تمنع الخطيئة عمل الروح القدس، وتفَّرقُ الأنسان عن الله، لكنها لا تحرمه من بنوة الله ومحبته ورحمته. تماما كما يبقى الواحد إبنًا لأبيه حتى لو قتله. فالمعمودية والتثبيتُ كالكهنوت سِّران لا يُكَّرَران. لقد طبعا المؤمن بختم لا يُمحَى فلا يزولان بالخطيئة. فمن آعتمد مرَّةً يبقى مُعَّمَدًا للأبد. لذا لا تحتاج المعمودية الى تجديد أو تكرار.
يتكلم المسيح عن ولادة ثانية جديدة. يولدُ الأنسان بالجسد لحياة الزمن. ويحتاجُ الى ولادة ” من فوق “، روحية لحياة الأبد تُطَّعِمُه بحياة الله وأخلاقِه. والمعمودية بالذات إعتبرها الرب يسوع ولادة ثانية وجديدة ” من الماء والروح ” (يو3: 5). وهذا ما قالته الكنيسة على لسان بولس :” شاءَ أن يُخَّلصَنا برحمتِه بغسل الميلاد الثاني والتجديد الآتي من الروح القدس” (طي 3: 5)؛ وكذلك على لسان بطرس القائل :” إنَّكم وُلِدتم ولادة ثانية، لا من زرعٍ فاسد، بل من زرع غير فاسد، وهو كلام الله الحَّي الباقي “(1بط1: 23؛ يع1: 18).
إذن لا تتجَّددُ المعمودية بالروح القدس، ولا يقبلُ الفرد المعمودية بقرار شخصي. القرار الشخصي يكون بتفعيل نعمة المعمودية والخضوع بوداعة الى إلهامات وإرشادات الروح القدس. لمَّا يتطَّوعُ الجندي في الخدمة العسكرية لا يحتاج الى تطوع جديد. ولما يُزوَّدُ بالسلاح لا يحتاج الى سلاح ثانٍ من نفس النوعية. يحتاج فقط الى أداء الخدمة المطلوبة منه وآستعمال السلاح وتوفير الذخيرة. قد يعطل السلاح أما الروح القدس فلن يتغَّير. قد تبطل الخدمة العسكرية ، أما المعمودية فلن تبطل أبدًا. فلا تحتاج لا الى التجديد ولا الى الأعتراف بها. تحتاج فقط الى إطلاق مفعولِها الروحي.