أهلا وسهلا بالأخت رانية
كتبت رانية تقول : نعلمُ أنَّ المُطّلِّقَ أو المُطَّلَقَة كسروا أحد أسرار الكنيسة. ونعلم أيضا مقولةَ يسوع المسيح ” من يُطَّلِقُ فهو يزني “. فســأَلتْ : هل يجوزُ للمُطلقين أن يُدَّرسوا طلابَ التعليم المسيحي أو التناول الأول ؟
المُطَـلِّقُ أم المُطَـلَّقُ ؟
يقولُ المثل:” إنَّ بعضَ الظَّنِ إثمٌ”. أرجو ألا يتطبَّقَ المثل على سائلي الكريم. ولكن يحدثُ كثيرًا بأن أغلبيتَنا ندينُ آخرين لسلوكٍ شاذٍ لاحظناه عند غيرِنا دون التحقيقِ أولا في صحّةِ وتفاصيلِ ما نعتقِدُه أنه الحقيقة. ونقبلُ بسهولة إلصاقَ التهمةِ بأخطاءِ الناس ونأبى أن نصغيَ الى يسوع و” نُخرجَ اولا الخشبة من عيننا” (متى7: 5)، قبل النظر الى القش الذي في عين غيرنا و التنديدِ به. ونُبَّررُ دومًا تصَّرُفنا ونتجاهلُ أخطاءَنا ونستنكفُ إشعارَغيرِنا بها. وقد رَدَّ يسوع طالبي رجم الزانية وقال :” من ليس له خطيئة فليرمِها بحجر” (يو8: 7). و كي لا نقعَ بمثل هذه الأخطاء أسوقُ أولا الملاحظات التالية :
يجبُ التمييزُ بين من طَلَّقَ ومن طَلَّقـوهُ. يجبُ التمييزُ بين المخالِفِ وهو سببُ الطلاق، وبين البريءِ وهو الضحية. يجبُ التمييزُ بينَ من أُرغِمَ على الطلاق وبين من خُيِّرَ بين الطلاق والأتفاق ورفضَ الأخير. يجبُ التمييزُ بين طلاقٍ وبين إعلان بُطلان زواج. يجب التمييزُ بين من يعرفُ الشريعة ومن يجهلها. يجبُ التمييزُ بين طلاقٍ مدني وطلاقٍ كنسي. يجبُ التمييزُ بين مُطلقين متزوجين في الكنيسة وبين المتزوجين مدنيًا فقط ، أو بين من يعيشون حالة التسَّري العلني. ولا يجوزُ إطلاقُ أي حكمٍ قبل التحَّري عن القضية والتأَكُّدِ من كلِّ تداعياتِها. ولا ننسى أنَّ ” كلَّ مُتَّهَمٍ بريءٌ إلى أنْ تثبُتَ إدانتُه “!.
من لم يكن عليكم كان معكم ! لو9: 50
وأنا أتأمَّلُ السؤالَ حضرني موقفٌ من الأنجيل هو سؤالُ التلميذين يعقوب ويوحنا يسوعَ :” أ تريدُ أن نأمرَ النارَ فتنزلَ من السماء وتأكُلَهم”؟(لو9: 54). والقصاصُ المذكور طُلِبَ إنزالُه بسكان قريةٍ سامرية رفضت إيواءَ يسوع وآستضافَتَه. لم يُصَّدقِ الرُسُلُ أنهم أجروا آياتٍ في إيفادهم الرسولي (مر6: 12-13) حتى باتوا يفكرون بأن يحموا يسوع ويقطعوا دابرَ كل مقاومةٍ له. صاروا يعرضون عضلاتِهم ، مثل أبي جاسم ، يريدون فرض أنفسِهم بالقوة ومحاسبةِ كلِ من يُعارضُهم بحجة أنهم ضِدَّ يسوع!. حتى إلتقوا مرةً رجلاً يطردُ الشيطان بآسم يسوع ، قد يكون بحسن النية، لكنهم رفضوا له هذا الأمر ما دام لا يتبعُ يسوع (لو9: 49). يبدو أنه صارت لهم قناعة أنَّ حقيقةَ يسوع وتعليمه يُلغيانِ حُريّة الأنسان،وعلى الجميع أن يخضعَ له. فصاروا يتعنترون. و كل من يرفُضُه أو يُعارضُه أو حتى يتجاهَله لا يحُّقُ له أن يعملَ شيئًا بآسمه بل ربما ولا أن يعيش. لكنهم سينزلون قريبا عن صهوةِ حصان كبريائِهم وأنانيتهم ،عندما يعون أنهم فقدوا إيمانهم. وسيعرفون كم أنهم جهلاء عندما يفشلون في شفاء الصبي المصروع (متى 17:17)، وخاصَّة عندما يتعلمون أنَّ مخالفة تعليم الله لا يعني إنزال العقوبة بالمخالف. لم يدِنْ يسوع الزانيةَ بل أعطاها فرصة الحياة (يو8: 7).
قصبةً مرضوضة لا يكسِرْ !
عُدتُ الى سؤال قارئي الكريم. معَّلِمةُ التعليم المسيحي المُطَّلَقة : هل هي طَلَّقت وكسرتْ سِّرَ الزواج؟. هل هي مذنبة تجاه زوجِها وأولادِها؟. هل هي مطلقة مدنيًا في الدولة أم حكمت محكمةٌ كنسية بِبُطلانِ زواجِها الأول؟. لا أحدَ يقدرُ أن يحكمَ عليها بالحق إلا محكمةٌ كنسية وليس المؤمنون حتى ولا الكاهن!.
ثم إنَّ المطلقين خلافًا لأيمان الكنيسة لا يحُّقُ لهم زواجٌ ثانٍ أو التناول العلني وليس عملُ الخير كالتعليم؟. لو عُدنا الى الأنجيل من جديد نلاحِظُ أنَّ يهوذا الأسخريوطي كان الرب قد إختارَه ومَيَّزَه فرفعه الى المقام الأول مع رفاقِه الأحد عشر. لقد خانَه. ولكن ربما لا نعرفُ عنه أنه كان” أمين الصندوق” للصدقات التي تُقَّدمُ لهم، وأنه كان يسرقُ منها بحجَّةِ الأحسان إلى الفقراء (يو12: 4-6). وكان يسوع عالمًا بكلِّ شيءٍ ولم يطرده من خِدمتِه ، بل أعطاه فرصَةً ليُصلحَ وضعَه ويتوقفَ عن شَرِّه. كان قصبةً مرضوضة لم يكسره يسوع بل قَدَّمَ له إمكانية الأستعدال ومواصلة الحياة (متى12: 20). كان فتيلة مُدَّخِنة لم يُطفِئْه الرب بل تركه لعَّلهُ يُضرمُ نارَه فيُشرقُ ضياؤُه. وهكذا معلمة التعليم المسيحي رُبَّما تكون فعلا خاطئة، إنَّما التعليم المسيحي أو تعليم التناول ليس بذاتِه عملا سَّيِئًا. وبأدائِه لا تقترفُ خطيئة جديدة.
دعوا الزؤان والحنطة ينموان معًا !
قد يعتقدُ بعضُنا أنَّ الخاطيءَ خطرٌ على إيماننا. نعم وضعُها، كمُطَّلقة، ليس طبيعيًا ولا تُقَّدَمُ نموذَجًا كمعلم مثالي بشكل مقصود. ولكن يبقى أنَّ الأعمالَ هي بالنيات، والزؤانُ لا يقدرُ أنْ يمنعَ نموَّ الحنطةِ (متى13: 30). بالأضافة الى ذلك قد تكون مظلومةً وأيضًا جديرة بالتعليم و أفضل من غيرِها فلماذا تُحَّرَمُ منه ، ويُضافُ الى جُرحِها جُرحٌ جديد؟. وفي التعليم تتبعُ المعلمة، مثل كل زملائها، المنهاجَ المقَّرَر ولا تُعَّلِم شيئًا من عندها. ولا يتطرَّقُ التعليم في مراحل التعليم الى مشاكل الزواج بقدر ما يُرَّكز على سِرّيتِه وقِيمِ الحب والمساواةِ والوفاق الأيجابية. فماذا يُخَّوِفُ فيها حتى لا تُعَّلم؟.
من ليست له خطيئة ليرجُمْها !
وقد تكون فعلاً هي الخاطئة، مع ذلك عَلَّمنا الرب ألا نذبَحَ الخطأَة بدينونتهم بل أن نرحَمَهم بمَدِّ يد العون لهم وإعادةِ تأهيلهم للحياة المسيحية المثالية؟. ومن يقولُ أنَّ سيرة بقية المعلمين هي أفضلُ من سيرتها؟. هل نعرفُ خفايا كلِ القلوب؟. أما نَبَّهَنا الرَّبُ الى الأهتمام بغسلِ آثامِنا قبلَ رجمِ خطايا غيرِنا؟. أما دعانا الى عدم الأهتمام بإخراج القش/ الذنب من عين إخوتِنا بقدر الأسراع إلى إحراقِ أخشابِ خطايانا وآثامِنا؟. أما دعانا ألا ندين الآخرين ولا نتصَّرف مثل كل أهل العالم بل أن نتفوَّقَ على غيرِنا بالبِرِّ والقداسة فنُغَّطيَ على بِرِّالناسِ المرائين و المنافقين؟ (متى5: 20). تدفعنا الغيرة على الإيمان أحيانا الى التطرف الزائد فنعاتب و نحاسب ونعتبرُ أنفسنا قضاةً فنعاقب بآسم الأيمان. نسينا أن الله لم يُقمنا لا حُكَّاما على الغير ولا مسؤولين عن الأيمان، بل أقامنا شهودا له بسلوكنا، نورًا وملحا لا سيفًا ولا رمحا!.
لمْ يُعلمنا الرب أن نتخِذَ إجراءأتٍ ضد الخطأَة بل أعطانا المثل في كيفَ نداوي جروحَهم. و نهانا الرَّبُ من أنْ نقضيَ حياتَنا في مراقبةِ غيرِنا ودينونتِه. بل أن يكون مثال غيرنا حافزًا لنا للأبتعادِ عن الشَّر ومحاولةِ القضاءِ على الشر بالخير. والسلطة الكنسية أولى بأن تُقَّدِرَ الوضعَ وتُقَرّرَ ما هو الأنسب والأنفع وتتخذَ الأجراءات اللازمة لحمايةِ التعليم والمعلمين من دَّسِ سموم الهرطقات أو لدغةِ الشكوك التي قد تؤذي النشء.