الأحــد السادس للصــوم !

تذكار مار ميخائيل رفيق الملائكة { موسم مار ميخائيل : الموصل}

تتلى علينا اليوم القراءات : تك19: 1-26 ؛ رم14: 10-21 ؛ يو9: 39- 10: 21

الرسالة : رومية 14 : 10 ـ 21

يوجدُ في كلِّ جماعةٍ روحية الكبيرُ والصغير، القديمُ والجديد، القويُّ والضعيف، لاسيما ذوو الأيمان التقليدي والتجَّدُديون. يبدو أنَّ كنيسة روما الناشئة أيضًا لم تخلُ من إختلاطِ اللون التركيبي نتيجة إختلافِ ثقافةِ المؤمنين ولاسيما البيئة التي نشأوا فيها. فذَرَّت قرون التبايُنِ بين المؤمنين، وكلُّهم جديدون على المسيح، على خلفية إيمان اليهودي المُنغَلِق وآنفتاحيةِ الذهن الروماني الوثني. وأصبحت دينونةُ الآخروحتى إحتقارُه أمرًا مألوفًا. فيستنكرُ بولس هذه الحالة ويعزوها الى ضعفِ الأيمان وسطحيتِه. إنَّ حياةَ المؤمن موقوفةٌ كلُّها لله، ولا تسمح بتجاوزاتٍ مماثلة. لأنَّ في اللهِ تتلاشى كلُّ الفروقات الزمنية لتحُّلَ محَّلَها قِيمُ المحبة الصادقة التي لا ترى في القريب غيرَ صورةِ الله، الذي” له نحيا ونموت “، ونشكرُ فضلَه، ونستعِّدُ لدينونتِه (رم14: 7-12).

لا ندينُ بعضَنا !

كان الخلافُ قائمًا بسبب العطام. من المؤمنين مَن يأكلُ كلَّ شيء، أثناءَ اللقاءاتِ الطقسية للتعليم والصلاة وكسر الخبز(أع2: 42)، ويشكرُ اللهَ عليه. ومنهم مَن كان يمتنعُ عن بعضِ الأطعمة و” لا يأكلُ إلا البقول” (رم14: 2)، ويُنَّجسُ أكلَ بعض الأطعمة (آية14)، تمَّسُكًا بشريعةِ موسى (أع15: 19-21). فنصحَ بولسُ مسيحيي روما أن يَسْموا بإيمانهم إلى فكر المسيح (متى15: 10-14). ليس الطعامُ بذاتِه شيئًا. وبالأخص ليسَ نجسًا مهما كان، لأنَّ الله رأى أنَّ كلَّ ما صنعه حسَنٌ جدًّا (تك1: 31). وبالأضافة إلى ذلك فهو يتقَّدسُ ” بكلام اللهِ والصلاة ” (1طيم4: 5).

ومِن جهةِ الأنسان فقد سَلَّطهُ الله على كلِّ ما خلقَ (تك1: 28)، ورفعَ كلَّ تحريم بشري عن الأطعمة (أع10: 15|). حَرَّره من القيود البشرية (غل5: 1)، والتقاليد الخاصّة بـ” المأكول والمشروب، أو يحكمُ عليكم في الأعيادِ والأَهِّلةِ والسبوت..” (كو2: 9 و16). و إن كانَ المسيحي يحيا من الآن على الأرض لله فكم بالحري يحيا معه وله في السماء. وملكوت الله ” ليس طعامًا ولا شرابًا”، فلا مُبَّررٌ للتمَّسُكِ بتقاليدَ غذائية، ولا يعقُلُ أن تُصبحَ عِلَّةَ خِلافٍ بين” الأخوة القدّيسين”. وأمرُ الربِّ يسوع واضحٌ وصريح : ” لا تيدينوا”. ولهذا بدأ بولسُ حديثَه بـ ” ألا نحكُمَ على بعضِنا بعض “.

لا تكُن عـثرةً لأخيك !

ولأنَّ الأنسانَ حُرٌّ في تصَّرفِه، جيِّدًا كان أم سَيِّئًا، فقد يعتبرُ أنَّ كلَّ شيءٍ جائزٌ له. يكتُبُ بولس للكورنثيين بخصوص ذبائح الأوثان، ويقول: “كلُّ شيءٍ حلال، ولكن ما كلُّ شيءٍ ينفعُ. كلُّ شيئٍ حلال ولكن ما كلُّ شيءٍ يبني. يجبُ ألا يسعى أحدٌ إلى مصلحتِه الخاصّة، بل إلى مصلحةِ غيرِه” (1كور10: 23-24). وما لا ينفعُ هو ما يُعيقُ مجرى الحياةِ المسيحية لدى بعضِ المؤمنين ضعافِ الأيمان، كما قاله للرومان. فسيرةُ المؤمنُ لا تُقاسُ بحقوقِه الطبيعية بل بعيش إيمانِه بالمسيح وآقتدائِه به. والمسيحُ حَذَّرَ ممن يُشَّكِكون غيرَهم ويُصبحونَ عثرةً لهم فيقعون في فَخِّ الشَّر(متى18: 7). عليه ينصحُ بولسمسيحيي روما، ومن خلالِهم كلَّ المسيحيين في كلِّ عصرٍ ومَصر، ألا يكون أحدُهمحجرَ عثرةٍ أو عائقًا لأخيه ” (آية 13). محَبّتُه للمسيح وإيمانُه بأنَّ كلَّ مؤمنٍ أخاه في المسيح، لا تسمحُ له أن يُهملَ أخاهُ، وكم بالأحرى ألا يُعثِرَه بشيءٍ فيَهلِكُ. يجب أن يتذَكَّرَ بأنَّ المسيحَ ماتَ من أجلِ ذاكَ الأخ كما مِن أجلِه. المسيحُ يُحِّبُ ذاكَ الأخ كما يُحبُه هو، حاضرٌ في ذاك الأخ كما فيه، فيستنتجُ :” فلا تجعلْ من طعامكَ سببًا لهلاكِ من مات المسيحُ لأجله ” (آية15). محبَّتُنا للمسيح تمُرُّ وتكتملُ بعلاقتِنا مع إخوتِنا.(متى25: 40)، مثلَ محبتنا لله (1يو4: 20-21). فمن خلالِ تصَّرُفاتِنا نؤَّدي شهادتنا للمسيح، لخلاص كلِّ الناس (أع1: 8)، لا دينونةً على ضُعفاءِ الأيمان. وفي رسائلَ عديدة دعا المؤمنين ألا يكونواعثرةً لغيرِهم (رم16: 17؛ 2كور6: 2؛ في1: 12).

لا تُعَّرضِ الخيرَ لكلام السوء !

ونقطةٌ مُهِّمة يُثيرُها الرسول ألا وهي أنْ ليس من حَّقِ المؤمن ولا يليقُ بكرامتِه أن يُعَّرضَ للأهانة سُمُوَّ تعليم المسيح وقداستَه ويُلقي جوهرةَ إيمانِه أمام الخنازير، التي تترَبَّصُ الفُرَصَ المُتاحة لتدوسَ الحقيقة بأرجلِها وتطمرَها تحت أنقاضِ ضلالاتِها ونجاساتِها. أقامَ لنا المسيحُ منارةً، بشفافيةِ إيماننا وصلابةِ سِلاحِنا الروحي، ومن الضروري لا أن نُحافظَ عليها فقط بل أن نحميَها ونُشِّعَ أضواءَها في سلوكِنا. حقَّقَ المسيحُ للبشر، بتعليمِه ومثالِه، خيرًا عظيمًا و تركَ لهم إرثًا وكنزًا يوَّفرُ راحةً وطُمأنينةً يستحِّقُ دفاعَهم عنه حتى الأستماتة ولا يُشَّوهونَه بأن يُقيموا توافُقًا بينه وبين مباديءِ العالم المُنافية والمُعادية للمسيح ولتلاميذِه. والرجاءُ في الراحةِ الأبدية، في ملكوت المجد والهناء، يُطالبُنا أن نُحَّررَ سلوكنا عن سلوكِ أهل العالم، و أن نعيشَ المباديءَ التي آمنّا بها وقبِلناها. ليس ملكوت الله أكلاً أو شُربًا أولِبسًا أو جِنسًا، ولا هو دولةُ مناصبَ وسياساتٍ حتى ننضَّمَ، في سلزكِنا، إلى الركب الدنيوي. إنَّ ملكوتَ الله على الأرض هو أن نعيشَ قِيَمَ الحَّقِ والمحبة في ” عدلٍ وسلامٍ وفرحٍ في الروح القُدُس. ومَن خَدَم المسيح مثلَ هذه الخدمة نالَ رضى الله وثبولَ الناس ” (آية 17 و 18).

هذا يؤولُ إلى البُنيان العام، لأنَّه يتماشى مع تخطيط الله وعملِه لأجل خلاصِ البشرية. وبهذا يصلُ بولس الى نقطةٍ أُخرى مهِمَّة كانت القِمَّةَ في شهادةِ المسيح، وهي ” التضحية ” من أجلِ الآخر. يسوعُ لم يعملْ مشيئة نفسِه، بل كانت مشيئةُ الآبِ طعامَه (يو4: 34). يسوع لم يتبعْ شهواتِه فلم يطلبِ اللّذةَ والراحةَ والجاهَ. بل جاءَ ليشهدَ للحق، وجلبَ له ذلك حِقدَ أعداءٍ الحَّق ونقمتَهم حتى ذبحوهُ على الصليب، لأنَّه قالَ الحَّق أنَّه ” المسيحُ إبنُ الله ” (متى26: 63-66). وفعلَ يسوع كلَّ ذلك ليُعطيَنا درسًا في الحَّق، ولأنَّه أحَبَّنا بلا حد، وأكَّدَ ” لا يوجدُ حُبٌّ أعطمَ من حُبِّ مَن يبذلُ نفسَه عن أحِّبائِه ” (يو15: 13). وقد طلبَ يسوعُ منا أنْ نُحّبَ مثلَه حتى بذل الذات وأن نتجَرَّدَ عن أنانيتنا (آية 21)، وعليه ذكَّرَ الرسولُ بهذا المبدأ كلَّ مَن قَبِلَ المسيحَ. لأنَّ هذا هو الأيمانُ المسيحي المُستقيم، ” وكلُّ شيءٍ لا يصدُرُعن إيمان{ بل يُخالِفُه} فهو خطيئـة ” (آية 23).