الأحد السابع للصيف

تتلى علينا اليوم القراءات  :  اش30: 1-7؛ أح19: 15-19+20: 9-14 1تس2: 14-20؛ لو18: 1-14

القـراءة : اشعيا 30 : 1 – 7 :–  يغزو الآثوريون اليهود. هؤلاء يستهينون بالله ويطلبون النجدة من مصر. هذه تخذُلُهم ولا تقوى على حمايتهم. يدعوهم النبي الى التوبة والثقة بالله وحفظ وصاياه. 

القـراءة البديلة : أح 19: 15-19+ 20 : 9 – 14 :–  تُذَّكرُ القراءةُ بأحكامٍ خُلُقية منها عدم الإنتقام وخاصَّةً محبَّةَ القريب، ويدين الشرور منها المثلية.

الرسالة : 1 تسالونيقي 2 : 14 – 20 :–  يُبدي الرسولُ إهتمامه بكنيسة تسالونيقي ، يمدحُ إيمانَهم ويشكُرُهم على خدمتهم له وتعاونهم معه.

الإنجيل : لوقا 18 : 1 – 14 :–  يَروي الأنجيلُ مثلَ قاضي الظلم والأرملة التي لا يُنصِفُها إلاَّ كي لا تُقلِقَه، بينما مدح الرب ثبات الأرملة على الحَّق. ويُلحقُ به مثلَ الفِرّيسي المُرائي المتَكَّبر والعَّشارالخاطئ التائب الذي مدحه الرب وقَبِلَ توبته فصلاته

إيماننا : بالله أم بآلأنسان ؟

الشعبُ اليهودي مُهَدَّدٌ من الآثوريين لأنَّه يخلقُ لهم المشاكل. اليهود منقسِمون بين الأيمان بالله وبين السياسة. يريدُ الساسةُ قيادةَ الشعبِ خارجًا عن الإطار الديني للحياة. يشَّكل تحالفًا عسكريًا. إنَّهم يؤمنون بقوَّةٍ أذرعهم وفاعليةِ سِلاحِهم، ولاسيما بذكلئِهم في الإستنجاد بدولة أُخرى لحماية أنفسهم من أعدائهم. إنها سياسة التعاون والتضامن والتعالي والتشامخ، سياسة تمجيد قُوةَ الذراع والعقلِ البشريين والإكتفاءِ بهما للعيش بنجاح وأمان، تاركين الله يتنَعَّمُ في بُرجه العالي المعزول !!!. يصفُ إِشَعيا الحالة ويكتشفُ جذوزَ أسبابها وثمارَ أغصانِها.

 

1+ عـدم الثقة بالله !               

منذُ أيام موسى والشعبُ يتقَلَّبُ ويتعَلَّقُ، فكرًا وقلبًا، بحياةِ مِصرَ وأبعادها رغم مرارةِ عبودِيتها. لقد تنفَّسَ هواءَ تلكَ الحياة وشرب ماءَ أرض مصر وأكلَ لحمها وقثاءَها (خر17: 3) وظلوا يحُنّون إليها، ويتشَّكى الربُّ من عدم إيمانهم وإهانتهم له (عدد14: 3 و11). ظلَّ الشعبُ يتمَسَّكُ بأنانيته وبالإنبهارِ بمعالم الدنيا وقواها ومباهجِها.فكما تمَرَّدَ في زمن موسى ولم يثق لا به ولا بإلهه (خر32: 1) هكذا يتمَرَّدُ الآن على شريعة الله وعلى سياستِه، ليسيرَ في رَكبِ المبادئ البشرية فيتكل فقط على حكمة الأنسان وقوَّته. وما يزالُ دأبُ شعوب اليوم إذ يسيرون على نفس النهج.

هذا هو الأنسان. إعتداده بنفسه يُسَبِّب فشله ونجاحه. لم يعرف أن يوازن بين القطبين : هو والله. وجهلَ أن يعرفَ الله على حقيقته. فوقع في فَّخ تجاهل الله. إنَّها قضية الأيمان به أو نكران وجوده. الله لا يراه الأنسان. وهذا الله المجهول يرفضُ له أن يُقَّدسَ رغباتِه وملذَّاته لأنها جسدية محضة وزائلة. وليس سهلا لأقَّلية مؤمنة ألاّ تتأثر من أغلبيةٍ وثنية مُلحِدة. يريدُ الناسُ أن ينحدرَ الله الى مستواهم في حين هم مخلوقون على صورة الله ويريدُ منهم أن يرتفعوا الى مستواه في الفكر والمشيئة. يفضِّلُ شعبُ الله أن يستمِرَّ في عاداته وتقاليده و يُقَّلدَ الشعوب المتحَّضرة أكثر منه وبالأمم المجاورة له فيُمَّجدوا قِواهم ويفتخروا بحكمتهم. أمَّا الله فإذ يعرفَ قُصرَ باعِهم وضبابيةَ أبعادِ بصيرتهم وحدودَ قدرتهم يعرضُ عليهم عونَه فينصاعوا لأوامره ووصاياه. وأمَّا الشعب وقد تشَوَّه فكرُه وتدَنَّسَ فلبه، منذُ عهدِ آدم أبيهم، فمالَ الى الزمنيات، وتاهَ الأنسانُ عن طريق العقل وتأَّسرَ للعاطفة التي عجنَتْه وطبَخَتْه فتصعبُ عليه العودة الى الصواب. عصرتْهُ الحياة الزمنية على حساب الأبدية فصار يعيشُ على المثل : “عصفورٌ باليد خيرٌ من عشرة على الشجر”!. و”سمكةٌ على النار خيرٌ من حوتٍ موعود”.

ظلَّ إيمان الشعب المختار سطحيًا يعومُ على موجات الحياة لا يستقِرُّ إلاّ عندما تعصفُ به أزماتٌ شائكة يعجز الصمودَ أمامَها ولا ملجأَ له أو ملاذ إلا الله ، كما بعد السبي. عندها يدخل في صداقة مع الله ويفهم أن مسيرة الحياة هي مشاركةٌ مع الله في الأخذ والعطاء. لمَّا تغَلَّبت أفكار أهل العالم ومبادِئُهم على حساب الأيمان نقضَ الشعبُ شريعةَ الله وأقام لنفسِه سُنَّتَه الخاصّة (مر7: 9). وظلَّ الإلحادُ يسود مع مبادِئه الأقتصادية والسياسية فـفقَدَ الشعبُ حصانَةَ الله وحمايتَه. نصب نفسَه سيِّدًا على كلِّ شيء ولكن دون أن يفلح في قراره. ولكن لمَّا تفَوَّق الأيمان وحيثُ صمدت الثقةُ بالله إندحرَ الشَّرُ إذ كانت الغلبةُ للرَب (يو16: 33).

 

2+ خلاصكم في التوبة والطاعة !

لما فرغ الشعبُ من حضور الله في حياته تمادى في تيهِهِ و واجه المخاطر فإستشارغيرَالله طالبًا نجاتَه. وكما وثق منذ البدء بمشورة ابليس أكثر من وصية الله (تك3: 6) إستدارَ على الشَّرير الكَذَّاب وتصَّرفَ كلَّ حياته بهذه السياسة. فعندما لامَ اللهُ الملك شاول ونبذ تصَّرفاتِه إلتجَأَ الى السحرة (1صم: 19 ؛ 22: 18-19؛ 28: 5-7). ولما نبذ قادة اليهود المسيح المنتظر إلتجأُوا إلى أعدائِهم الوثنيين الرومان ليقضوا عليه (متى27: 1). وفي زمن إشعيا إتَجَّه السياسيون صوب من سبق وآستعبدهم فأَذَّلَهم. لم يلتفتوا الى الله ليروا لماذا خذلهم، ولم يسألوه ماذا يفعلون، بل زادوا في الطين بِلَّةً فأداروا الظهرَ له.

أعمت الكبرياءُ بصيرتَهم. نسوا أنَّه أيبسَ البحرَ أمامهم؟ نسوا كيف قادهم في الصحراءِ ليلا ونهارًا يحميهم من كلِّ خطر، يُقيتهم مَّنًا وسلوى، ويكسرُ الشعوبَ أمامهم. نسوا أنَّهم لو تحالفوا مع الله لا أحد يتحارشُ أو يتقارش بهم. عالجوا ضُعفَهم وذنوبهم بخطايا جديدة و التحالف مع ضعيفٍ مثلهم. عرفوا بذلك ولكنهم يعرفون أيضًا أنَّ الحياةَ فَرٌّ وكَرٌ، وأنَّ للزمن يومٌ له ويومٌ عليه. فأملوا، في كلِّ مرَّة، أنهم سيغلبون هذه المرة من غلبهم وطردهم من فردوسِه وأنهم عائدون إليه رغمًا عنه. إلاّ أنهم فشلوا. يعتقدون أنَّه نزالٌ وصراع من أجل الحرية والكرامة، لكنهم أخطأُوا. يبقى الصراعُ في داخلهم مع أنفُسِهم: كما قال مار بولس بين” الجسد والروح”: ” أعلمُ أنَّ الصلاحَ لا يسكن فِيَّ (بل في الله) أي في جسدي. فإرادةُ الخير في إمكاني ( أن أسمع كلام الله) و أمَّا عملُ الخير فلا. فالخيرُ الذي أُريدُه لا أفعلُه. والشَّرُ الذي لا أُريدُه أَعمَلُه… تعمله الخطيئة الساكنةُ فِيَّ” (رم 7: 18-20). لم يتحَرَّر الشعبُ من الخطيئة. المسيح وحده سيُحَقِّقُه :” المسيح حرَّرنا لنكون أحرارًا.. ولا نعودَ ألى نير العبودية” (غل5: 1). ذلك بتواضعه وتوبته وطاعته لله حتى الموت على الصليب (في2 : 7-8).    

       

3+ النتيجة !

كم يجب على شعوب اليوم أن تتعَلَّم الدرس. ليست الحكمة في سياسة إلغاء الله من حياة الناس. بل خلاصُ البشرية في سماع كلام الله وتربية الأنسان منذ طفولته على محبة الله و الأنسان وخدمته لا إزالته عن الطريق. تلكم الحرّية والكرامة.