وجودُ الأقَّليات المسيحية

أهلا وسهلا بالأخ جنان طّحان

كتب الأخ جنان عن تراث:” الأقليات المسيحية {أكيد يقصد في العراق} الكلدانية والآشورية والسريانية ” وسأل : ” هل الأقليات الثلاث هي إمتدادٌ للأقليات التي قبل الميلاد؟. مثلاً هل الكلدان هم نفس الكلدان قبل الميلاد؟. وأيضًا الآشوريون هم نفس الآشوريين قبل الميلاد، كما في سفر صاموئيل{!} ؟. هل الآن هم إمتداد لتلك الأقليات ؟ أم هم أقليةٌ بحَّدِ ذاتها ؟”. ثمَّ أحَّبَ أن يعرف أيةَّ أقليةٍ هي الأصل، ومدى صحَّة ما يُرَّوجُ له بعضُ المؤرخين!.

أقَّلـية !!

لا يوجدُ في الأقوام والمِلَل أقلية أو أكثرية. يُمكن ذلك بخصوص عدد ذلك القوم مقارنةً بقوم آخر. أما بذاته فكل شعبٍ أو أُمَّة لا ينقُصُه شيء وليست قيمته بعدد أفراده، بل بحضارته و ثقافته وأخلاقِه وإنتاجِه.

السُريانيةُ ليست قوميةً، بل هي لغُةٌ وتدعى أيضًا الأرامية تنطقُ بها شعوبٌ مثل كلدان و آشوريين وعرب وغيرهم. والمعروفون اليوم بـ ” السُريان” هم الذين يستعملون تلك اللغةَ كلغةِ أُم أو لغةِ الطقوس الدينية. وأغلبهم سَكنةُ سوريا و البلدان المجاورة. أما الكلدان و الآشوريون فآستعملوا اللغة الآرامية، يشهدُ على ذلك حتى الكتابُ المقدس (2مل18: 26). أما ” لفظة الكلدانية ” فهي اللهجة التي تبَّناها ملك آشور سنة 721ق.م. وآستُعملت في التجارة والدواوين وأصبحت اللغةَ الرسمية لتلك الشعوب. وظلت لذلك حتى بعد سقوط الأمبراطوية الآشورية (612 ق.م) على يد الكلدان، ثم الكلدانية على يد الفرس(538 ق.م).   

قبل الميلاد .. واليوم !!        

ومنذ سنة 538 ق.م. حكم الفرسُ العراقَ حتى غزوِ العرب المسلمين له 637 م. ولما غزا الملكُ الفارسيُّ كسرى البلدَ لم يقتُـلْ أبناءَ الشعب، عدا القادة كعادة كل غزو او ثورة. إستَمَّرَ يعيشُ حياته ويمارسُ مهَنَه. كذلك مع الغزو العربي. لم يُقتَل، لم يُطرَد ولم يُهاجر. وكانوا بمئات الأُلوف إن لم يكن بالملايين. وقد إدَّعى الأخُ داني فارس، الذي علَّق على أسئلة الأخ جنان، بأنَّهم إنقرضوا. يا ستَّار؟ كيف؟. هل أكلتهم ديناصورات، أو بلعتهم حيتان، أو فاض الدجلة والفرات خلال ليل مشؤوم وأباداهم، وفي ضُحاهُ لمْ يشعرْ أحد بذلك ؟؟. ليتحَذَّر داني ألا ينقرضَ فجأة بقدرة قادر!. عاشَ الكلدانُ وعاشَ الآشوريون في بلادهم، مَوطِن تواجدِهم وتابعوا أشغالهم وخلَّفوا غيرَهم. ومات جيلٌ منهم وراء جيل إلى أن أتينا نحن الى الوجود فورثنا أرضَهم، لغتَهم، وحضارَتَهم.

وفي الجيل الأول الميلادي دخلت المسيحيةُ الى البلاد وآنتمى إليها، قبل مجيءِ الأسلام ، على يد مار توما وتلاميذه أدي وماري، أكثر من ثلثي المواطنين، بدءًا من الشمال آثور و الى الجنوب كلدى. ولما دخل المسلمون العراق كانت كنيسةُ المشرق، وسمَّاها أعداؤُها النسطورية، مزدهِرةً يُعَّدُ أبناؤُها بالملايين، منتشرين غربًا الى السعودية، وجنوبًا في الخليج مع خمسة رؤساء أساقفة وعشرات الأساقفة، وشرقًا حتى الصين، وشمالاً حتى أرمينيا. ورئاستها في المدائن ثم بغداد. أقيمَتْ لهم بين بغداد والبصرة مئاتُ الكنائس وأديُرةً بالعشراتُ، ومثلها في الشمال. من أين أتى هؤلاء الأبناءُ اذا كان آباؤُهم قد إنقرضوا ؟. من أين والغزاة لم يجلبوا معهم سوى جيشِهم لحقت به عوائلهُ ؟.

لم يكن البلد يومًا مسيحيًا بقادته. والظلمُ لم يتوقفْ ضِدَّهم. شاه ايران شابور الثاني قتل منهم خلال أربعين سنة حوالي 200،000 مسيحي ولم ينقرضوا بل إزدادوا. لكن الأنقسامَ داخلَ البيتِ المسيحي وتنكُّر الخلفاء لعهودهم، لاسيما مع بدء حكم آلعثمانيين، وآستمرار الغزوات والثورات تسَّبَبَ في الهجرة والآنتشار. فتعَدُدُ الكيانات والرئاسات والمنافسةُ من قبل البعض لمجاراة الحكام والحصول على مكاسب على حساب بقية المجاميع، هذا من جهة ومن أُخرى التكاثر العددي من طرف مقابل قلة الأنجاب في الطرف الثاني قلبَّ الموازين وصار المسيحيون أقَّليَةً منقسمةً الى أقليات. إنقسمت أولا بين مشرقيين ومونوفيزيين (أرثذوكس) ج5. ثم بين المشرقيين النساطرة والكلدان الكاثوليك ج16. ثم إنتحلَ بعضُهم البروتستانتية. ولكن كلُّهم ينحدرون من شعوبهم الأصلية. لم يُجلَب أحدُهم من الخارج. فهم جميعُهم إمتدادٌ لأجدادهم الأصيلين كلدانًا كانوا أم آشوريين أم سريان. لم تخرج الأقليات من جذوع أشجار حتى تكون أقَّليةً جديدة بذاتها. بل كلُّ فئة هي إمتدادُ أجدادها المحَّليين ولذا حافظت على أرضِهم، لغتهم، لقبهم و تراثهم.  

رجال الدين والسياسة والتاريخ !

وفي تعليق آخر للأخ داني فارس لامَ رجالَ الدين وآتهَّمَهم بتدخلهم فيما لا يَعنيهم، وأنَّ السياسة والتأريخ خارج نطاق إختصاصِهم. تهمةٌ تعَّودنا عليها. يقول المثل:” لا يقدر على الحصان فينقَلبُ على السرج ” !. الله يحمينا من دجل السياسة الحالية ، ومن إلتواءات السياسيين ومن أبواق المؤرخين الجهلة. نعم رجلُ الدين يهتم بالأخلاق وببناء المجتمع الأنساني ليخلق جَنَّةَ سلام على الأرض قبلَ السماء. لا يتحَّزبُ لفئة معَّينة من إقتصاديين أو سياسيين. أمَّا التأريخ أَ فلا يجب أن يعرفه ليُعَّلم رعاياه أن يُمَّيزوا بين سوءِ من سبقهم فلا يلحقوهم الى النار الأبدية؟. وإِذا كانت السياسةُ دجلًا وإغراءَ، والساسةٌ منافقين ومصلحيين وعملاء لهذا أو ذاك أما يجب على رجل الدين معرفةُ ذلك ويُحَّذر منه؟. وإن لم يفعل فكيف يقود رعاياه للسماء وجنودُ ابليس يكمنون لهم في كلِّ زاوية؟. وهل يكون راعيًا صالحًا إذا علَّمهم فقط أن يصوموا ويُصَّلوا بينما الساسة يذبحون وينهبون؟. يجوز لهم أن يتَّهموا رجال الدين في وقته وفي غير وقته ولا يجوز لهؤلاء ان يُعلنوا الحَّق في وجه الظلم والطغيان؟. أين هي الحُرّية والديمقراطية التي يتبَجَّحون بها ؟. كيف يكونون مواطنين صالحين إذا تركوا رعاياهم للذئاب الخاطفة، والبلدَ مرتَعًا للطامعين؟.

رجل الدين لا ينتمي الى حزب. هو فوق الإتّجاهات والميول والأجندات. لا يدعو الى العنف والأرهاب. إنمَّا يُنَّورُ للخير ويفضحُ السوءَ والشرَّ ويدعو الناس أجمعين الى المحبة والتآخي والتعاون والتضامن من أجل الخير العام للبلد وللناس. أقصد المسيحيين بدرجة أولى ليقتدوا بالمسيح. وأمَّا إذا خالف أحدُهم، وهذا ممكن لأنه إنسان، فلا يجوز تعميمُ ذلك والتطبيلُ والتزميرُ للنقطة السوداء والتَنَّـكُرُ لبياض الصحيفة كلها !.