هل المعجزة دليلٌ على النبُـوَّة

أهلا وسهلا بالأخ باسيل البيرت

جرى حوار بين زملاء، مسيحيين ومسلمين، حول” المعجزة “، وهل هي دليلٌ على من يُجريها أنه نبيٌّ ومرسَلٌ من الله؟. كان رأيُ باسيل أنَّها ليست ” دليلا كافيًا و وحيدًا” على أنَّ ذلك الشخص هو نبي ومُرسل من قِبل الله. هناك أنبياء مثل يوحنا المعمدان لم يعمل أيةَّ معجزة ومع ذلك هو نبي. في حين تعملُ الشياطينُ وأنبياء كذّابون آياتٍ وخوارقَ ليُضِّلوا ، إن أمكن، حتى المختارين (متى24: 24). ويقول باسيل :” هذا الكلام لم يُعجب لا المسيحي ولا المسلم ” ثم سأل بدوره :” هل المعجزة دليلٌ على أن مُجريها هو نبي ومُرسَل من قِبَل الله “؟.   

كان جوابك صحيحًا يا أخ باسيل. فيوحنا مثل إشعيا وحزقيال وأغلب الأنبياء لم يجروا معجزة تُذكر. بينما تجري المعجزات على يد القديسين مثل شربل وأنطونيوس، بل أغلبهم. ولا هم مُرسَلون بمهمة خاصة. وتعريف كلمة ” المُعجزة ” لغويًا هو : عملٌ يعجزُ الأنسان على إتيانه. هو عملٌ الله. الله يجري معجزة تأييدًا لكلام وطلبِ مَن رضيَ عنه. فالله يقرر متى يجري المعجزة. أنهى مرقس إنجيله بقوله :” ذهب التلاميذ يُبَّشرون في كل مكان و الرَبُّ يُعينُهم ويُؤَّيدُ كلامَهم بما يُساندُه من الآيات” (مر16: 20). رضيَ اللهُ عنهم لأنَّهم آمنوا به وسمعوا كلامه وأطاعوا أمره بنشر الحقيقة متحَّملين من أجلها التعذيب والتنكيل  وحتى بذل دمائِهم، فأجرى معجزات على يدهم ليُؤمن البشرُ بكلامهم. أرسَلهم يسوع للبشارة و أجروا معجزات لكنهم لم يكونوا أنبياء بالمعنى الدارج، بل كانوا شهودًا للمسيح ينقلون رسالته، فرضيَ عنهم وآستجابَ لطلبهم بمعجزات (أع3: 6-8؛ 13: 8-12).

من هو” النبي“؟

أكَّد مار بولس أنَّ المعجزةَ إحدى علامات الرسل :” فالعلاماتُ على أنّي رسولٌ أظهرتُها بكل صبرٍ بينكم : من معجزات وعجائبَ وأعمالٍ خارقة ” (2كور12: 12). ذلك تأييدُ الله على صدق رسالته ولا فضل لبولس فيها سوى تبَنِّيها وتتميم مشيئة الله. إِنَّما رافق ذلك ما تحَّمله من ثقةٍ وبذل وعذابٍ ومحاربةٍ وصمود. فيكتبُ لنفس الكورنثيين: ” فأنا أرى أنَّ اللهَ جعلنا نحن الرسل أدنى الناس منزلةً كالمحكوم عليهم بالموتِ علانيةً، لأنَّنا صرنا مشهَدًا للعالم، للملائكة والناس، نحن حمقى من أجل المسيح … نعاني الجوع والعطش والعُريَ و الضربَ والتشَّرُدَ ونتعبُ في العمل بأيدينا، نرُدُّ الشتيمةَ بالبركة، والآضطهادَ بالصبر  و آلآفتراءَ بالنُصحِ. صِرنا أشبهَ ما يكون بقذارةِ العالم ونفايةِ كلِّ شيء ” (1كور4: 9-13). هذا ما يُمَّيز الرسل من غيرهم بجهادهم ومعاناتهم وصمودهم، وبركة الله.

ما هي رسالةُ النبي ؟ 

كانت هذه حياة الرسول، ما يتحَمَّلُه في سبيل رسالته وما يُعينُه به الله. ولكن من كان الأنبياءُ في الكنيسة الأولى؟. ماذا فعلوا؟. لقد ذكر أعمالُ الرسل وجود ” أنبياء” بين المؤمنين. منهم أربع بنات الشماس الأنجيلي فيلبس يتنبَّأن (أع21: 8-9)، وأغابُس الذي تنبَّأَ مرَّةً عن حدوث مجاعة (أع11: 27-28)، وأُخرى عن أسر مار بولس (أع21: 11)؛ ويهوذا وسيلا اللذان شرحا لمؤمني أنطاكيا ما قرره مجمع أورشليم (سنة 50م) وشجَّعاهم على الآلتزام به وشدَّدا عزائمهم (أع15: 27 و32)؛ وجد فريق من الأنبياء في كنيسة أورشليم (أع11: 27 )، كما وجد حتى نبِيٌّ مُزَّيف في مدينة بافس (قبرص) هو ” ساحرٌ يهوديٌ يَدَّعي النُبُوَّةَ كِذبًا إسمُه بَريشوع، و آسمُ المهنة “عليما”، عارَضَ الرسلَ وحاول أن يُبعِدَ الحاكمَ عن الأيمان” فوَّبخه بولس بشِدَّة قائلا ” ستضربُك يدُ الرب فتكون أعمى لا تُبصر.. ” ففقد بصرَه (أع13: 6-12). هذه أجراها بولس أمَّا الأنبياء فلمْ يُذكرْ لهم إجراءُ ايَّةِ معجزة.

ما هي مُهِمَّةُ النبي؟ ماذا يفعلُ؟      

كان للأنبياءِ دورٌ مهمٌ، مع تبشير الرسل، في تثقيف المؤمنين على جوهر الأيمان. إنَّهم الفئة الثانية في الأهمية بعد الرسل في تثبيت الأيمان، حتى قال عنهم بولس لأهل أفسس” بُنيتُم على أساس الرسل والأنبياء، وحجرُ الزاوية هو المسيح يسوع نفسُه” (أف2: 20)، لأنَّ معرفة سِرِّ وحدة كلِّ الشعوب، اليهود والوثنيين، في المسيح يسوع، لم يكشفْها الله إلاّ ” لرسله وأنبيائِه القِدّيسين ” (أف3: 5-7).

نستَمِّرُ مع مار بولس لمعرفة مهِمَّةِ النبي. فقد إنفرد بذكر هذه المواضيع. ومعجزاتُ الله تكثر بأشكال أخرى أيضًا وفي ميادين أُخرى لأسيَّما الحياة الروحية، والمعروفة بِـ” التكَّلم بلغاتٍ” لا يفهمها السامع لها، ولم يتعلَّمها الناطقُ بها أو تحدَّثَ فيها، كما حدثَ يوم العنصرة  وحلَّ الروح القدس على الرسل وسامعيهم (أع2: 4-8). فيقول :” أُريدُ أن تتكلموا كلُّكم بلغات، ولكن بالأولى أن تتنَبَّأُوا، لأنَّ الذي يتنَبَّأُ أعظمُ من الذي يتكلَّمُ بلغات..وأمَّا الذي يتنَبَّأُ فهو يُكَلِّمُ الناس بكلامٍ يبني، ويُشَّجعُ ، ويُعَزِّي. الذي يتكَلَّمُ بلُغّات يبني نفسَه، وأمَّا الذي يتنَّبَأُ فيبني الكنيسة ..”، لأنَّ كلامَه ” يحملُ وحيًا أو معرفةً أو نبوءَةً أو تعليمًا ” (1كور14: 3-5). ويُضيفُ مار بولس بعدَه :” اللغاتُ آيةٌ لغير المؤمنين والنبوءَةُ آيةٌ للمؤمنين” (1كور 14: 12).

التكَّلم بلغات لا يُغَّيرُ شيئًا في المؤمن، أمَّا النبوءَة فهي كالخميرة التي تسعى لتغيير حياة المؤمن ورفعها الى مستوى التعامل مع الله بإدراك وتصميم. لا يُقَّدمُ النبي شهادةً عن المسيح ولا يدعو الى الأيمان به. بل هو يعمل مع المؤمنين، فيقرأُ لهم علامات الأزمنة والأوقات، ويُفَّسرُ لهم ما عرفوه من الرسل، كي يغوصَ زرعُ الكلمة إلى أعماق نفوسِهم ويُثمرَ” مِئةً أو ستين أو أقَّله ثلاثين” (متى13: 8). فإن كان دور النبي في العهد القديم إبلاغ وحي الله غير المنظور، فهو في العهد الجديد تسليطُ ضوء حقيقة المسيح المنظور وتعليمه المسموع على السيرة الذاتية للمؤمن. فهو لا يحتاج إلى معجزةٍ لتصقيل السلوك الأنساني بالإلهي، بل أن تُصبح حياةُ المؤمن معجزةً بذاتها منارةَ الأيمان، وشهادة لغير المؤمن. فجهدُ النبي نفسُه هو بمثابة آية خارقة لحياة المؤمنين. وبذلك يكون القِدّيسون أعظم الأنبياء بحياتهم ، ولهذا يُجري الله المعجزات على أيديهم. ولا تُعلن الكنيسةُ مؤمنًا قدّيسًا إلاّ عندما يُجري الله معجزات بشفاعته دليلاً على رضىاه عنه، وعلى رغبته تعالى إعلان سيرته مثالا لغيره يقتدي بها. ولن تبقى المعجزةُ بعدُ دليلاً على النبُوَّة وآلآرسال ، بل القدّيسون هم رسل الله وأنبياؤُه.