هل إختلافُ تأريخ الميلاد هو عقائديٌ ؟

أهلا وسهلا بالأخ مؤيد ناصر.

إقتربَ عيد الميلاد وتذكَّر الأخ مؤيد بأنَّ المسيحيين إختلفوا في الأحتفال بيومِه. فالأغلبية الساحقة تُعَّيدُ ميلاد يسوع في 25 كانون الأول/ديسمبر، و أقلية تحتفلُ به يوع 7 كانون الثاني/ يـنواري. وإذ لم يعرف سبب هذا الأختلاف / سألَ :

هل الأختلافُ عقــائدي ؟

الأحتفالُ بالعيد !

بعد ثلاثةِ أيام يُعَّيدُ مسيحيو الغرب قاطبةً عيد ميلاد يسوع المسيح ، مع الأقليات الكاثوليكية في الشرق. لكن هذا لا يعني بأنَّ التأريخ يُؤَّكدُ علميا بما لا شكَّ فيه بأنَّ يسوع قد وُلدَ فعلا في هذا اليوم. وعليه نُثَّبتُ أولا بعض الثوابت الإيمانية والعلمية قبل خوض الموضوع مباشرة.

تعَّمدَ الإنجيليون الأربعة ، لاسيما لوقا، في عدم ذكر يومَ الميلاد كما سكتوا عمدًا أيضًا عن يوم صلبه وموته وقيامتِه. آى عن أهم تواريخ يهتمُ بها الناس ؛ لمْ يُرد الأنجيليون أن يُشغلوا المؤمنين بأرقام وحسابات لا قيمة لها إيمانيًا ، بقدر ما ركَّزوا على كشف هوية يسوع وجوهر رسالتِه ؛ وبما أنَّ يسوع هو” الله ” فلا قيمة للتواريخ البشرية ، لأنَّ كل شيء فيه أزلي وأبدي ؛ والأحتفالُ بالعيد في 25 كانون الأول لا يعني البتة أن يسوع ولد في ذلك اليوم ؛ إن معطيات الأنجيل تتركُ المجال لتحديد ميلاد يسوع في نهاية الخريف أو بداية الشتاء ؛ في بداية المسيحية عيَّد الشرقُ عمادَ يسوع وأهملوا ميلادَه ، في حين شدَّدَ الغربُ على ميلاد يسوع ، ثم تبنَّى الشرق عيد الغرب والغربُ عيد الشرق ؛ منذ مجمع نيقية الأول سنة 325 م ، أى قبل إنقسام المسيحيين بأكثر من قرن ، عيَّد الشرقُ والغرب معا عيد الميلاد في 25 كانون الأول ؛ إستمَّرَالأحتفالُ بالعيد معا في 25 كانون الأول بعد الأنقسامات في الشرق والغرب ؛ بدأ الأختلاف في القرن السادس عشر الميلادي بعد سنة 1582 م ؛

العـيد في 25 / 12 !

فيطفـو السؤالُ على السطح : لماذا إذن إحتفلت الكنيسة بالعيد يوم 25/كانون الأول؟. إختارَتْه إختيارًا بسبب واقع تأريخي. قلنا أن معطيات الأنجيل تدع المجال لتحديد موعد العيد في نهاية الخريف وبداية الشتاء. و25 كانون هو يومٌ مناسب. ولكنَّ إختيارَه كان لسبب أعمق. كان الوثنيون الرومان يعتبرون الشمس إلهًــا. ويعبدونه. ويقع الأنقلابُ الشتوي يوم 25 كانون. وهو اليوم الذي فيه يبدأُ النهار فيطول. إعتبرَه الرومان ولادة جديدة للشمس و نصرًا على الظلمة فآحتفلوا فيه عيد” ميلاد الأله الشمس”. وشمل الأحتفالُ نشاطات شعبية منها الرقص والغناء والشرب وكل أنواع ” المجون “. والوثنيون الذين آهتدوا الى المسيحية كانوا يحُّنون إلى تلك الأحتفالات. فلحفظهم من الوقوع في شراك الخطيئة، وللقضاء على الهرطقة الوثنية ، وإعلان حقيقة أن يسوع هو الأله وشمس الحقيقة والبر، قررت الكنيسة تعييدَ ميلاد يسوع في 25 كانون والقيام بآحتفالات دينية تليق بمجد يسوع وعظمتِه. وهكذا درج الأحتفال بميلاد يسوع بهذا الشكل وآستمرَ الى يومنا.

الأخــتلاف !

بعد آنقسام الغرب البروتستانتي (1520م) أحَّسَ علماءُ الفلك بأنَّ التقويمَ الزمني لا يتطابقُ ومعطيات علم الفلك الذي على ضوئِه ٌ قامت التقاويمُ. والتقويم يعني الأشهر والفصول و السنين، ودوران الأرض حول الشمس. والفترة الزمنية التي تستغرقها دورة الأرض الواحدة حول الشمس من نقطة إنطلاقِها وحتى العودة الى نفس النقطة هي ” السنة !. وقد حدَّدَها يوليوس قيصر روما وثبتها، سنة 46 ق.م و حسب علم زمانِه، بـ 365 يوما و6 ساعات. فأضافوا كل أربع سنوات يوما إضافيا لآسترجاع الزمن المفقود. وهكذا صارت لنا سنة كبيسة من 366 يوما، كل أربع سنوات. ويعلمُ القرّاءُ الكرام أنَّ الأعتدال الربيعي يقع في 21 آذار من كل سنة. ولاحظ العلماءُ أن برجَ الربيع قد سبقَ بعشرة أيام إعتدالَ الربيع حسب التقويم. فأعادوا النظر في حساباتِهم وآكتشفوا أن دورة الأرض حول الشمس تستغرقُ مدة أقل من المُعتَقَد به. أى يتم دوران الأرض في 365 يوما وخمس ساعات و48 دقيقة وحوالي 49 ثانية. أى أكثر من 11 دقيقة أقل من المفروض والمتفق عليه.

و لما حسبوا التقويم الميلادي بالمعطيات الجديدة رأوا الفرق يرتفع الى 10 أيام. وإذا آستمروا على نفس القياس سيتأخر التقويم عن الزمن الحقيقي يوما آخر خلال كل 133 سنة شمسية. وآرتأى العلماءُ وجوبَ تصحيح الخطأ. وكان أحد هؤلاء العلماء البابا غريغوريوس الثالث عشر(1572-1585). فأخذ البابا البادرة في تغيير التقويم حتى سُّميَ الجديدُ بآسمه “” التقويم الغريغوري””. وكان ذلك سنة 1582م فأُعلن ،حسب الأتفاق والأستعداد للحدث ، بأن يُقدم التقويم 10 أيام وذلك يوم الخميس 4 /10/1582. وتم ذلك يوم الجمعة 5/10 إذ سجلوها بـ الجمعة 15/10/1582م. تبّنى التغييرَ الغربُ كله وكل الحكومات المدنية. رفض التغييرَ الكنائسُ الشرقية غير الكاثوليكية إذ إعتبروا الحدثَ تدَّخُلا كاثوليكيا في شؤون الله و ضد التقليد السليم. وهكذا إحتفظَ الشرقيون غيرُ الكاثوليك بالتقويم اليولياني ووقع الأختلاف في تأريخ العيد منذ 1582/1583. عيَّـدَ الغربُ في 25 /12/1582 ، وعيَّد الشرقيون في 4/1/1583 أى بفارق 10 أيام. وبما أنه، كما نوَّهنا، يزدادُ الفرقُ يوما كل 133 سنة عليه أصبح الفارقُ حاليًا 13 يومًا. وسيُصبحُ في بداية القرن الثاني والعشرين 14 يوما.

لا عقـيدة ولا إيمــان !

هكذا بإمكان القاريء اللبيب أن يرى السبب الحقيقي للأختلاف. فليس السببُ لا عقيدة ً فكرية مختلفة ولا إيمانًا كتابيا مُشَّوَها. إنه مجَّردُ ” عّـلة ٍ علمية ” وتصَّرُفٌ فلسفيٌ منطقي.

كما خاطيءٌ الأدّعاءُ أن التقويمَ القديمَ شرقّيٌ. لأنَّ كلا التقويمين صدرتا عن حاكم روماني ومن روما. كما خاطيءٌ القولُ أنَّ الشرقيين يُعَّيدون في شهر كانون الثاني في السابع منه. الصحيح أنهم ما زالوا يُعَّيدون في 25 كانون الأول ولكن حسب التقويم القديم. لأنَّ 7 كانون الثاني ليس سوى 25 كانون الأول بفارق ثلاثة عشر يوما. وعندما يُصبحُ الفارقُ 14 يوما سيُعَّيدون في 8 كانون الثاني.

القس بـول ربــان