نــورٌ من نــور

أهلا وسهلا بالشماس رافت ججوكا

خلال إنتباهه لتلاوة قانون الإيمان لاحظ  إختلافًا بين النص العربي والسورث. ولاسيمّا عدم وجود فقرتين في السورث كما يتلوه الشعب، هي: ” نور من نور، ومولود غير مخلوق “. فسأل : ” لماذا هذا الإختلاف ؟. هل هو صحيح” ؟.

قانون الأيمان !  

نتلو في كلِّ قِدّاس قانون الأيمان نُعلن فيه عقيدتنا الأيمانية المبنية على تعليم الكتاب المُقدَّس عامّةً والعهد الجديد خاصَّةً ، نقله إلينا الرسل شهود عيانٍ لشخص المسيح وحياته وتعليمه (لو1: 1-4 ؛ 1يو1: 1-4). لكن الرسل لم يصوغوا مثل هذا النص ليُقرأ في إجتماعاتهم العبادية. إنمّا كانوا يعرضون، على من إهتدى الى المسيح، ما عرفوه عن يسوع وعاينوه فيه قبل أن يُعّمدوه. وذلك بصورة مختصرة تتركز على الله الثالوث وأُلوهية يسوع المسيح وصلبه وقيامته، وعلى الكنيسة جسده السِّري وغفران الخطيئة والدينونة والحياة الأبدية. و آختلفت صيغةُ النص من رسول الى آخر وبعدهم من كنيسة الى أُخرى مع الحفاظ على جوهر العقيدة. وصلنا منه اقدم نصٌ، من القرن الثالث الميلادي، كالآتي :

أَ  تؤمنُ بالله الآب القدير؟.

” أُومنُ بالله الواحد، ضابطِ الكل، خالق السماء والأرض.

  وبربٍّ واحد، يسوع المسيح، ابن الله الوحيد.

  الذي حُبِل به من الروح القدس،  و ولد من مريم العذراء.

  وصلب على عهد بيلاطس البنطي، وماتَ ودفن وقام في اليوم الثالث حَيًّا من بين  

  الأموات. وصعد الى السماوات وهو يجلسُ عن يمين الآب، وسياتي ليدين الأحياَءَ و  

  الأموات.

أَ  تؤمنُ بالروح القدس والكنيسة المقدسة وقــيامة الجسد ؟.  { نعم أومن }”.

تضيفُ نصوصٌ أخرى :” وبغفران الخطايا والحياة الأبدية ” (كتاب : الكنيسة الكاثوليكية في وثائقها ، دنسنغر، الجزء الأول، 2001م، ص16-22).

سُمِّيَ بقانون العماد. كان يؤَّدى إحتفاليًا في عماد الموعوظين في سبت النور، طبعًا من القرن الرابع الميلادي، بعد إعلان حرّية المعتقد في الأمبراطورية الرومانية.

يشبهه نصٌّ آخر متأخر عنه مع إختلافات طفيفة ، نشره تيودول رى مرميه، 1983م، جاء فيه :” أومنُ بالله الآب الضابط الكل، خالق السماء والأرض ؛

    وبيسوع المسيح إبنِه الوحيد، ربِّنا ،

    الذي حُبلَ به من الروح القدس، و ولد من العذراء مريم ،

    تألم على عهد بيلاطس البنطي،

    وصلبَ وماتَ وقبر، وهبط الى الجحيم (1بط3: 19) ،

    وقام في اليوم الثالث من بين الأموات، وصعد الى السماء ،

    وجلس عن يمين الله الآب الضابط الكل ،

    وسوف يأتي ليدين الأحياءَ والأموات ؛

    أؤمن بالروح القدس ، بالكنيسة المقدسة الجامعة ،

    وبشراكة القديسين ، و بمغفرة الخطايا، وبقيامة الأجساد، وبالحياة الأبدية. آمين “.  

قانون الأيمان كما نتلوه الآن !

ليس حرفيًا وحصرًا بالقانون المُعزى الى الرسل، بل من مبادئه و وحيه. ما زلنا نستعمل صيغة ” قانون العماد” عندما نُعَّمدُ الأطفال. لكنَّهم عندما يبلغون يحتاجون إلى معرفة بماذا يؤمنون. فآرتأت الكنيسة أن تُضيف قانون الأيمان للقداس، يُعَبِّرُ عن الأيمان الموروث من الرسل، ونقلته لنا جيلاً بعد جيل، ليتثقّف منه المؤمنون. وصاغته بعبارات أكثر لاهوتية وفلسفية لتُعَّبر عن إيمانها بشكل منطقي يخدم كل فئات المؤمنين ويُساعدَهم على إضاءَة حياتهم الأيمانية بآستمرار، لمواجهة ضلال العالم. هكذا وكما يبدو، لم يؤلَّف نص قانون الأيمان دفعةً واحدة، بل تكَّون بعد خبراتٍ راعوية لدى مواجهة حالات خاصة وثقافاتٍ مختلفة. تزدادُ بنود عقائده مع تقدم الحياة ومع ظهور حاجات عصرية جديدة. 

قام بإعلان نصٍّ مّوَحد لعّامةِ الكنيسة مجمعُ نيقية الأول سنة 325م. وآنتشرَ في الكنيسة ، مثل النصوص الأولى، شرقًا وغربًا، بعبارات مختلفة أحيانًا، بالحرف لكنها متَّفقة بالمعنى الأساسي. وتسهيلاً لفهم المؤمنين له ظهرت عبارات، ناقصة أو زائدة عن بعضِها لا عن الجوهر،  مختلفةً في الشرق عن الغرب. لكنه بقي يحتوي العقيدة المسيحية. ومختلفة أحيانًا في الكنيسة الواحدة نفسِها، في لغات مختلفة، كما حدث في الطقس الكلداني مثلاً، وكما  ذكره السائلُ الكريم، بين النصَّين العربي والسورث.

إستعملت كنائسُنا اللغة السُريانية في طقوسها. وإذْ كان الشعبُ يتحَدَّث بالسورث، ترجمت النصوص من طقسها السرياني مباشرةً. وكانت قد سبقتها الترجمات العربية في الطقس اللاتيني المتواجد قريبًا منها في الرعايا أو الأديرة اللاتينية. وعلى الأكثر تبَنَّته منها عند الحاجة. بل كانت ربَّما تعوَّدت عليه بعض الشيء بسبب الأختلاط بمناسبة إحتفالاتٍ دينية لاسيما للقسم الكاثوليكي من الكنائس الشرقية.

هذا ما تشيرُ اليه  أقَّله الترجمات في الكنيسة الكلدانية. فقانون الأيمان بالعربية، وفي فقرات الأختلاف المذكورة، جاء كما يلي :

“نؤمن بإلَهٍ واحد، الآب الضابط الكل، وخالق السماءِ والأرض، كلِّ ما يُرى وما لا يُرى*

وبرَبٍّ واحد يسوع المسيح، إبن الله الوحيد، المولود من الآبِ قبل كلِّ الدهور ؛

إله من إله ، نور من نور، إله حَّق من إلهٍ حَّق ؛

مولود غير مخلوق ، مسـاوٍ للآب في الجوهر “.

أمَّا النَّص الكلداني، وبالتالي السورث، فجاء كما يلي :

” نؤمن …  * و برب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، بكر جميع الخلائق  ؛

وُلِدَ من أبيه قبل الدهور ، و لم يُخْلَقْ ؛

إله حَّق من إله حَّق ، إبن طبيعة أبيه “.  الذي على يده صار كلُّ شيء …..”  

هكذا جاء في كتاب ” طقس القداس”. وهذا بدوره نقله من نص كتاب الصلاة الرسمية، ” الحوذرا “، للكنيسة الكلدانية. يقول النص بالكلدانية :

:” ܘܲܒܼܚܲܕܼ ܡܵܪܝܵܐ، ܝܑܼܫܘ݁ܥ ܡܫܝܼܚܵܐ، ܒܪܹܗ ܕܐܲܠܵܗܵܐ ܝܑܼܚܝܼܕܼܵܝܵܐ، ܒܘܼܟܼܪܵܐ ܕܟܼܠܗܹܝܢ ܒܸܪ̈ܝܵܬܼܵܐ.

ܗܵܘ ܕܡܸܢ ܐܵܒܼܘܼܗܝ ܐܸܬܼܝܼܠܸܕ ܩܕܼܵܡ ܟܠܗܘ̤݁ܢ ܥܵܠ̈ܡܹܐ ، ܘܠܵܐ ܐܸܬܼܥܒܸܕܼ.

ܐܲܠܵܗܐ ܫܲܪܝܼܪܵܐ ܡܸܢ ܐܲܠܵܗܵܐ ܫܲܪܝܼܪܵܐ. ܒܲܪ ܟܝܵܢܵܐ ܕܐܲܒܼܘܼܗܝ ܀ ܕܒܼܐܝܼܕܼܵܘܗܝ ܐܸܬܬܲܩܲܢ ܥܵܠܡܹ̈ܐ ܘܐܸܬܼܒܪܝܼ ܟܠܡܸܕܸܡ … “.

هل الإختلاف صحيح ؟

الأمرٌ واضحٌ : السورث يُترجم النص الكلداني الرسمي، أمَّا العربي فيختلف. يبدو أنَّه مُتبَّنى وليس مُترجمًا. بينما حفظ السورث على التراث تبع العربي النصّ الكاثوليكي المُتداَول. أي حدث هذا عندما عُدنا الى وحدة الأيمان الكاثوليكي مع روما. وكلاهما تعترف بصحتهما. و إذا كان نص السورث في كنائس أخرى مُتّفقًا مع العربي فذلك دليل تغييرهم النص التُراثي لهم. أو قد يكون مصدرُ قانون الأيمان عندهم مُختلفًا عن مصدر قانون الأيمان الكلداني.

أمَّا النصُّ الكلداني فيرتقي بالأصل الى القرن الرابع الميلادي، إستعمله الملفان تيودورس أسقف المصيصة (381-392م)، والذي شرحه وفسَّره العلامة مار نرسي بعد قرنٍ من ذلك. حيثُ يقول أنَّه ” قانون إيمان الرسل” لآباء مجمع نيقية الـ 318، سنة 325م. وجاء النص هكذا :   

:” نؤمن … ؛  وبربٍّ واحد يسوع المسيح ، ابن الله ؛

شخص واحد بطبيعتين وأقانيمِها ؛

وحيدٌ بلاهوته ، والبكرُ (الأول) في جسده، صار أولاً (قبل كل الخلائق ) ؛

مولودٌ من الآب قبل كلِّ الدهور. لأنَّه إله من إله. ابنٌ من الآب ؛

من طبيعة أبيه ، مسـاو ٍ له في كلِ ما له “. من اجلنا ومن اجل خلاصنا ….

والنص الكلداني الرسمي مطبوع في الفاتيكان ، ضمن الحوذرا، منذ سنة 1870م. لو كان فيه خطا ايماني لاصلحه. وفعلاً عند التمعُن في النص نرى ان النصوص كلها تتّفق على لاهوت يسوع وازليته وعدم خلقه. ونقص عبارة نور من نور لا تزيد حقيقة جديدة لان النور هو الحق. ويسوع إله حق من اله حق، خالق النور(تك1: 3 ، 14) ، إذ به كان كل شيء (يو1:  3).