مَن ، ومتى يُمنَعُ عن التناول !

أهلا وسهلا بالشماس د. حسان باكوس

كتب الأخ حسّان يسألُ : ” ما هي الحالاتُ التي تستوجبُ المؤمنَ على عَدَمِ تناولِ القربان المقَّدس ؟ وهل هناك حالاتٌ ، الكنيسة نفسُها تمنَعُه من القربان ؟

عِلمًا حتى يهوذا الأسخريوطي تناولَ في العشاء السّري ، مع أنَّه كان في حالةِ خطيئةٍ ، ولم يَمنَعْه المسيحُ عن تناول جسدِه “؟

يهوذا الإسخريوطي !

يُجمعُ الأنجيليون أن تأسيسَ سرِّ القربان المُقدَّس تمَّ خلالَ عشاءِ الفصح، وقبل غسل أرجل التلاميذ. وخلال العشاء كشَفَ يسوعُ خيانةَ يهوذا. لوقا وحدَه يُؤَّخرُ كشفَ الخيانة إلى بعد تأسيسِ سِرِّ القربان (لو22: 19-23). بينما يذكرُ بقيةُ الأنجيليين أولاً كشفَ الخيانةِ ثم تأسيسَ سِرِّ القربان (مر14: 18-26؛ متى26: 23-27؛ يو13: 4-26). ويُرَّكزُ يوحنا على أنَّ يهوذا خرج بعد تناولِهِ لقمةً خاصّة من مائدةِ العَشاءِ الفصحي وليس القربان المقدَّس. يؤَّكدُ الأنجيليون ذلك عدا لوقا. ويوحنا لم يذكرْ أصلاً تأسيسَ سر القربان المقدس والتناول. ومن جهة أخرى لم تكن خيانةُ يهوذا معروفةً لدى رفاقِه الرسل. لم تكن خطيئتُه علنية. و حتى لو تناولَ في هذه الحالة لا يُشَّكِلُ مشكلة لأنَّ اللهَ لا يفضحُ أبناءَه بل يدعوهم الى التوبة. وإذا كشفَ يسوع الخيانة حتى لا ينصدمَ التلاميذُ بعدَه ويتخذوا ضدَّه إجراءًا سلبيًا. قال يسوع ليهوذا :” إِفعَلْ ما أنتَ فاعلٌ ولا تُبطِيْ. ولم يعلم التلاميذُ لماذا قال له ذلك” (يو13: 27). كان يسوعُ يعلمُ ما في فكرِ تلاميذَه و” آختارهم عن معرفة” (يو13: 18). أرادَ ربَّما أن يُخَّففَ وطأة الصدمة على التلاميذ، ولا يتخذوا إجراءًا ضدَّه ، ولكي يدعَ النبوءات تأخُذُ مجراها و تكتمل (متى 26: 54). غسلَ يسوعُ أرجلَ تلاميذِه قبل تأسيس القربان ليكونوا أطهارًا، رمزًا للطهارة الواجبة قبل التناول كما سيُركز عليها مار بولس (1كور11: 23-26). ولوقا لم يذكرْ غسلَ الأرجل. بل وضعَ خبرَ العشاء الفصحي وتأسيس القربان بين الإخبار عن الخيانة وكشفها، هكذا :

  1. الخيانة (22: 3-6)
  2. العشاء والقربان (22: 7-20)
  3. كشف الخيانة (22: 21-23) ، ولكن لم يُكشَفِ الخائِنُ ولم يعرفه الرسل !

فعلى الأرجح لم يتناول يهوذا، أو بقي تناوله سِرًّا لا يُشَّكك أحدًا، ولم يمنعه عنه يسوع حتى لا يُعرقلَ منعُه مسيرةَ موتِه.

ليُحاسبِ المتناولُ نفسَه !

مار بولس الذي، تلَّقى من الرَّبِ مباشرة خبرَ تأسيس القربان والتناول، هو أخبر عن شروط التناول الصحيح، وبالتالي: مَن هو المُؤَّهَلُ للتناول. يقول:” مَن أكلَ خُبزَالرَّب أوشرِبَ كأسَه ولم يكن أهلاً لهما فقد جنى على جسدِ الرب ودَمِه. فليُحاسبْ .. فمَن أكلَ وشرِبَ وهو لا يرى فيه جسدَ الرب، أكلَ وشربَ الحُكمَ على نفسِه” (1كور11: 23-29). إذًا تحَّدَثَ بولس عن نوعين من الذنب يمكن أن يقترفَها المتناوِلُ : إهانة للقربان، وهو القُدسُ الذي يُعطَى للقدّيسين. فإذا لم يكن المتناولُ قدّيسًا، بل يكون قد أخطأَ فسقط من صداقةِ الله، يخطأُ إذا تناول. كما لو تَّقَدَّمَ زَّبالٌ بملءِ وسخِه ليُصافحَ الملكَ بعِّزِ جلاله. لن يتم ذلك، هكذا يكون التناول باطلاً لآخِذِهِ في حالةِ الخطيئة المميتة ؛ والذنب الثاني هو ألا يؤمنَ أحدٌ بأنَّ الخبزَ والخمرَ المُكَّرسين هما جسدُ المسيح ودمُه فيخطأ إذا تقَّدَمَ للتناول لأنه يتصَّرف خلاف منطقِه فيُهينُ بذلك نفسَه، فيخطأُ. في كلتا الحالتين لم ينصَحِ الرسولُ بالتناول، وسارت الكنيسة على خُطاه.

قال يسوع للص اليمين :” تكون اليوم معي في الملكوت ” (لو23: 43). وفي مثل العذارى دخلت الحكيمات الخمس مع الختن الى العرس الأبدي بعد موتهن حالا، أما الجاهلات الخمس فرُفِضْن لعدم سلوكهن حسب مباديء المسيح إذ نقصهن الحُّب فقال لهن الله :” أنا لا أعرفكن “(متى25: 12). وفي مثل الغني العديم المحبة والرحمة ولعازر الفقير الصبور نال كلُّ وحيد، بعد الموت، نصيبَه : لعازر في راحةِ الملكوت والغني في عذابِ الجحيم (لو 16: 22-26).

حالات منع التناول !

مار بولس تكلم عَمَّن يشعر بضميره بعدم أهليتِه للتناول. عندئذٍ يكون مسؤولا عن نفسِه بالموقف الذي يتَّخِذُه. لأنَّ حالته مخفية. ولكن هناك حالاتٌ مماثلة علنية، أي مؤمنون في حالةِ خطيئةٍ مميتةٍ يعيشونها علنًا بعلم المجتمع والكنيسة. ومن تنقطع علاقته مع الله يعني أنَّه في خلافٍ مع الثالوث الأقدس. والمسيح يسوع هو ” الله الكلمة، الأقنوم الثاني” من الثالوث. ومن خلال المسيح يسوع يتَّحدُ المؤمنون بالثالوث :” إجعلهم كُلَّهم واحدًا ليكونوا واحدًا فينا، أيُّها الآبُ مثلما أنتَ فيَّ وأنا فيكَ ” (يو17: 21). فكلُّ خطيئة مميتة تفصِلُ الخاطيءَ عن الثالوث. والزنى العلني والقتل المُتَعَّمَد خطيئةٌ مميتة. لأنهما مخالفان لمحبة الله والقريب (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 1856)، وقد نهى الله عنهما حرفيًا. ومن يعيش في الخطيئة علنًا يُشَّككُ غيرَه ويُعَّرضُهم للخطيئة و” الويل لمن على يده تأتي الشكوك ” (متى18: 6).

فالقاتلُ والزاني والمُشَّكِكُ العلنيون لافقط يُخالفون الأيمان ومشيئة الله، ولا يبنون الحياة المسيحية، بل يُدَّمرونها لأنَّ حياتهم أصبحت ظلامًا، وشهادتهم عن المسيح تكون مُزَوَّرةً ونفاقية. لأنَّ وحدةَ المؤمن مع المسيح والإخوةِ لا تُبنى بالخطيئة بل بالنعمة. فـتناولُ أمثالِ هؤلاء يُمَّزقُ جسد المسيح لا يبنيه فلن يكون جائزًا (ت.م.ك.ك. رقم 1391). ولا يمكن ” ان تضُّمَنا الأوخارستيا إلى المسيح من دون تنقيةِ الضمير والقلب ..” (ت.م.ك.ك. ، رقم 1393). حتى يُصبحَ المتناولُ واحدًا مع المسيح يجب أن يتمَّتعَ أولاً بحالة النعمة ” (ت.م. ك.ك. ، رقم 1398 ، ورقم 1414). بناءًا على هذا التعليم تمنعُ الكنيسة مناولةَ المُطلَّقين مدنيًا (لا يشملُ من نالوا من الكنيسة إعلانَ بطلانِ زواجِهِم و تزوجوا من جديد في الكنيسة )، والمتزوجين مدنيًا فقط، أو يعيشون حالةَ الزنى العلني في التسَّري (ت.م.ك.ك، رقم 1650).

ويشملُ حتى من يُمارسون الإِجهاضَ كمبدأءٍ وكفعلٍ طبيعي إعتيادي، دون سببٍ ولا ندم. أمثالُ هؤلاء لا إيمان لهم ولا يخضعون لا لله ولا للكنيسة التي أقامَها الله مُعَّلمَةً لجميع الناس. ويكونون بذلك خارجَ الكنيسة، لأنَّ الذي لا يسمعُ للكنيسة لا يسمعُ للمسيح (لو10: 16). ومن لا يُحِّبُ المسيح ولا يسمعُه لماذا يتناول؟. والأسرارُ لمَن هو عضوٌ في الكنيسة. أمَّا من تعزلُه الخطيئةُ عنها ، بوعيِه ورضاهُ، تُعامِلُهُ الكنيسة بما إختاره لنفسِه، كغريب!.

القس بـول ربــان