منذ متى مارس بطرس سلطته في روما ؟

أهلا وسهلا بالأخ سميح لولو.

سأل الأخ سميح :” متى دخلَ بطرس روما “؟. وأيضا :” كيف مارسَ سيادتَه “؟.

وصول الى روما !

مارسَ بطرس نشاطه في البداية في أورشليم وفلسطين. وكما يبدو من أعمال الرسل أنه كان متفَّرغا لأدارة شؤون التبشير وقيادة الكنيسة أكثر من أن ينطلق الى جهة خاصة يبشر بها. فهو ينزل الى السامرة لتثبيت المعَّمدين (أع8: 14-23)، ويرسله الرب الى قيصرية لفتح باب البشارة أمام الوثنيين (أع10: 1-48). وبعد سجنه في أورشليم يبدو وكأنه غادرها الى مكان مجهول(أع12: 17). ولما كتب بولس رسالته الى أهل غلاطية كان بطرس قد سبقها وتواجد في أنطاكية (غل2: 11). ويُجمع علماءُ الكتاب المقدس أن الرسالة الى غلاطية كتبت من أفسس سنة 54م. ولما كتب بولس رسالته الى اهل روما سنة 57/58م من كورنثية يبدو أن بطرس مستقّرٌ في روما. لأن بولس يذكر أنه يحرصُ ” ألا أبني على أساس غيري”(15: 20).ثم ي رغبُ أن ينشرح مع مؤمني روما ” بالأيمان المشترك بيني وبينكم … لأنَّ ايمانكم يُحَّدثُ به في العالم كله”(1: 8-13). والتقليد الكنسي رأى دوما في ذلك أنه علامة لوجود بطرس في روما وهو صاحب ” أساس غير” أساس بولس.

ولما بدأ الإضطهاد سنة 64م على عهد نيرون كان بطرس في روما. يذكر بولس في رسالته ، التي كتبها من أسره في روما سنة 62م ،الى أهل كولسي وجود مرقس. كما يذكره بطرس أيضا في رسالتِه. كان بولس أسيرا. وكان مرقس يعاون بطرس في ذلك الوقت. وبعد إطلاق سراح بولس وقيامه بجولة تبشيرية ، يُعتقد أنه إتجه نحو اسبانيا. ربما لم يصلها لأنه تأسر هذه المرة في روما نفسها ، وبعد قضاء فترة سجن مع بطرس في منطقة من روما اسمها ” الينابيع الثلاثة Tre Fontane ” قطع رأس بولس هناك، وصلب بطرس في الملعب على تلة الفاتيكان ، 29 حزيران سنة 67م ، حيثُ إكتشفوا في خمسينيات القرن الماضي وتحت كنيسة مار بطرس، صندوقا يحوي رفات كليهما معًا ، مكتوبا عليه : ” بطرس وبولس صَّليا لأجلنا “.

ممارسة سلطانِه !

أما كيفَ مارسَ بطرس سلطانه ، فلا شكَّ أولا بأن المسيح خَّـولَه سلطان الحَّل والربط (متى16: 19). وحتى إذا كان قد أخطأ بحق يسوع ، مَّرةً عندما إعترضَ على آلام المسيح فنعته يسوع بـ ” الشيطان “(متى16: 23) أى هذه إيحاءاتٌ شيطانية ؛ ومَّرة ً ثانية عندما نكره فتصوَّرَ أن يسوع سينبُذه. لكنَّ يسوع أكد له ولبقية الرسل أنَّ يسوع لم يتراجع عن إختيارِه رغم أخطاءِ بطرس بل ، لأنه تاب (متى26: 75)، ثَّـبتُه أمام أعين الرسل ومسمعهم على ضفاف بحيرة طبرية قائلا له ثلاث مرات :” إرعَ خرافي.. إرعَ نعاجي.. إرعَ كباشي” (يو21: 15-17).

أما أنَّ بطرس مارسَ سيادته ، فلمْ ينتظر أن يكون في روما ليفعل ذلك. بل مارسها منذ صلب المسيح. قبل أن يُقبضَ على يسوع قال لبطرس :” يا سمعان هوذا الشيطان قد طلبكم ليغربلكم كما يُغربَلُ القمحُ. لكني دعوتُ لكَ ألا تفقدَ إيمانكَ. وأنتَ ثَّـبتْ إخوتَك متى آهتديتَ” (لو22: 31-32). فيبدو أنه لملم شمل رفاقه الرسل لئلا يتشتتوا وآنتظروا نتائج الصلب. ولما أخبرتهم مريم عن غياب جسد يسوع من القبر بادر هو وأسرعَ مع يوحنا ليُعالجَ الأمرَ(يو20: 1-7). وبعد صعود يسوع بادر بطرس وطلب الى رفاقه أن يختاروا بديلا ليهوذا ، وحدد صفاتِ البديل (أع1: 15-22). ولما إختلفَ الرسل على موضوع ختانة الوثنيين المتنَّصرين ، وبعد جدال طويل بين الأطراف المعنية، ” قام بطرس وقال لهم : أيها الأخوة ، تعلمون أنَّ اللهَ إختارني من بينكم منذ الأيام الأوَل ليسمعَ الوثنيون من فمي كلامَ البشارة ويؤمنوا…لم يفَّرقْ بيننا وبينهم في شيء. فقد طَّهرَ قلوبَهم بالأيمان. فلماذا تجَّربون اللهَ الآن … إننا نؤمنُ بأننا نخلص بنعمةِ الرب يسوع كما يخلص هؤلاء أيضا. فسكتَ الجماعة كُلُّهم < دعاة الختان ثم المعمودية ودعاة المعمودية وحدها دون الختان> “(أع15: 7-12). فكلامُ بطرس كان بمثابة القرار النهائي الذي خضع له الجميع. ولو لم يكن له سلطانُ الحل والربط على بقية الرسل لما خضعوا له ولما تقَّيدوا بقراره.
وأنا أتصَّور أنَّ الرسلَ كانوا أولى منا أن يفهموا ماقال
المسيح وما أراده، وأن يخضعوا فقط لأرادةِ المسيح. لو لم يكن
الأمرُ كذلك لما بسطوا رقابهم للإستشهاد حتى لا يخالفوا رأي
بطرس أو خليفتِه.

شــهادة التـأريخ !

والتأريخُ يشهد بأن بعد إستشهادِ بطرس قام على كرسي روما أسقف جديد بآسم لينوس 67-76م ، ثم أناكليتُس بين 77و 88م ، وعلى عهده كتبَ متى انجيله حوالي سنة 80م، ثم إكليمنضس 88- 97م ، وعلى عهده كتبَ يوحنا الحبيب انجيله حوالي سنة 100م ،أو على عهد خلفه إيفاريتُس 97-105م. وكان حتى الرسل الأحياء ، منهم متى ويوحنا، يخضعون لتوجيهات أسقف روما الذي لم يكن لا رسولا سابقا ولا تلميذا. وكما لاحظنا جاءَت أغلبية النصوص التي تخص أولية بطرس وسلطانه في ما كتبه هذان الأنجيليان. لأنه وعلى ما يبدو ظهرت في عهدهما وهم بعدُ أحياء، تعاليم مغلوطة تعرف بـبدعةِ النيقولاويين (رؤ2: 15). وبعضُ أفكارها ترفض أولية أسقف روما خليفة بطرس ، فيَّرُدان عليهم بأن أولية بطرس وخلفائِه من ارادة المسيح وتنظيمِه ، وليس من سوء نيةِ بطرس أو تجَّبُرِه.

القس بـول ربــان