مـيلاد يسوع ونجـمة المجـوس (الجزء الأول)

نُشِرَ هذا الموضوع في موقع أخوية بولس الرسول في 2008.12.11، وعَلَّقتُ عليه بما يلي. أعيدُ نشرَ التعليق للفائدة. نُقِلَ الموضوع أصلاً من صُحفِ العالم كما نقلته في حينه شبكاتٌ تلفزيونية، أعلنت فيه خبرًا مفادُه أن بعضَ العلماء إكتشفوا فأعلنوا أنَّ مولِدَ يسوع المسيح لم يكُن شتاءًا في 25/ 12، كما نعتقدُ وكما آعتَدْنا أن نعَّيدَه فيه. بل وُلدَ في 17/ 6 حزيران سنة 2 ق.م. ودليلُ ذلك أنَّ عُلماءَ الفَلَك إستطاعوا، بتقنيّاتِهم العصرية، أن يُثَّبتوا بأنَّ  نجمة المجوس ظهرتْ، في ذلك العهد، في حزيران/يونيو وليس في كانون الأول / ديسمبر. وآدَّعى المقال أنَّ أولئك العلماء لا ينوون الطعن في الدين. بل يبغون بالعكس تنوير إيمان البُسَطاء. إعتبروا المسيحيين بسطاء مخدوعين!. إنَّها طبخةٌ محبوكة برصدٍ و سبقِ إصرار!!!!! إشارةٌ ضعيفة مهزوزة لا تمحُ التأكيد السابق القوي على أنَّ عيد الميلاد يستندُ الى معلوماتٍ خاطئة. هزُّوا الوتد ليفلت المربوطُ به !. مَن قرَأَ ما وراءَ ذلك التأكيد؟. ومن تساءَلَ لماذا هذه المقالة؟. ومَن حاولَ أن يُقرنَ مُعطياتِ الكتاب المقدَّس، ويفهمَ مغزى الكاتب وما مِن وراء القصد؟؟. وما أشبه اليوم بالأمس !.

فالمقالةُ نشرَها أصلاً السيّد أشرف أبو جلالة من القاهرة في ” إيلاف “. وهو بدوره نقلها من مصدر آخر؟ لماذا ؟. أمَّا عن نقلها لموقع الأخوية فتَمَّ ربَّما لمناقشتها وبلورتها. ولكني أسألُ ناقلَها: هل ناقشها هو نفسُه بينه وبين نفسِه؟. هل تبع وصيَّة الرسول، شفيع الأخوية، ” لا تُصَّدقوا كلَّ روح، بل إِمتحنوا الأرواحَ لتروا هل هي من الله؟. لأنَّه يوجدُ كثيرٌ من الأنبياء الكذبة في العالم”؟(1يو4: 1). كان بوسعه أن يُخبرَ عن المقال ونقله مع ملاحظات أو مقدمة تُنَّبه الى ضرورة التأكد مما يُدَّعَى، وتجَنُّب الفخ المنصوب فيه. من الواجب أن يتصَرَّفَ كلُّ واحد بمنطقٍ ومسؤولية عند قراءة أو نشر أو نقل أيِّ شيءٍ كان. ومطلوبٌ الحذرُ مما يكتبُ اوينشره، لاسيما عن إيماننا، أناسٌ لا نعرفُ لهم لا أصلٌ ولا فصلٌ، بينما جوهرةُ إيماننا تصونها الكنيسة وترشد الى الحقيقة عنها تأريخيًا وحتى علميًا. لا ننسى أنَّ الرب قد حَذَّرَنا من العلماء والأنبياء الدَّجالين” إنتبهوا الا يُضِّلَكم أحد “(متى24: 4) لأنَّهم يأتونكم” بلباس الحملان وهم في الباطن ذئابٌ خاطفة” (متى7: 15)، ومار بطرس نَبَّه بأن عدُّونا ” إبليس يجولُ كالأسدِ الزائر باحثًا عن فريسةٍ له. أُثبتوا في إيمانكم وقاوموه ” (1بط 5: 8-9). ومار بولس يقول:” يظهرُ الشيطانُ بمظهر ملاك النور فلا عجب ولا أقَّل من أن يظهرَ خدمُه مثلَ خَدَمٍ صالحين ” (2كور11: 14-15).

فالحيطة واجبة قبل أي نشر أو نقل قد يزرع القلق والخطر، من حيث لا ندري، فيُؤذي القُرّاء. ونحن نعلم كم كثُر الذين يُحاربون المسيحية وكيف يحاولون إبادتها بتشويه تعاليمها ونشر معلومات خاطئة مُضِّلة. قال مار بولس” إيّاكم أن يغلبكم أحدٌ بفلسفته وبالغرورالباطل القائم على سُنَّةِ الناس وأركان العالم لا على المسيح” (كو2: 8). قد يجهل كثيرون منكم حقيقة إحتفالاتنا الدينية : أسبابها، معانيها، هدفها! بل كم واحد ذهب بعد إطّلاعِه على الخبر ليبحث عن الحقيقة الكتابية والعلمية؟. مَن هؤلاء العُلماء غيرُ المُعَّرَفين؟. وهل علماءُ الفلك يؤَّيدون فعلاً ما نشره كاتب المقال السيِّد كيف رينيكي ورفاقه؟. هل تمعَّنا في مقالة الأنجيل؟ .هل بحثنا لنعرف ماذا أراد الأنجيلي أن يُوصِلَه إلينا؟. لماذا تحدَّث عن النجم؟.عن المجوس ؟. ولماذا ثبَّتت الكنيسة عيد الميلاد في 25/ 12؟.  

لا أنظرُ الى الموضوع فقط من زاوية رأي الكنيسة. كلُّنا أعضاءُ في الكنيسة ويتحَمَّل كلُّ واحد مسؤوليةَ معرفة الحقيقة وإيصالها لأننا أصبحنا مع المسيح “نور العالم”. أنا أهتَّم بالخبر لنفسِه من زاوية ” هل ما قيل هو منطقي، صحيح، وبستحِّقُ الأهتمام به؟. هل ما يُرَّوَجُ له يتَّفقُ مع الواقع الذي نؤمن به ونعيشُه؟. لا يهُّمُني أن يكون النجمُ قد ظهر صيفًا أو خريفًا، ولا أن يكون يسوع قد ولد صيفًا أو شتاءًا. يهُّمني ماذا يعرف المؤمن عن الحدث المُحتَفَلِ به في 25/ 12، وعن لماذا يُحتَفَل به في ذلك اليوم بالذات وليس في غيره؟. يهُّمني أن يهتمَّ المؤمن بحماية إيمانه من علماءَ نكرة فيعرف هل معطيات الإنجيل خاطئة أم من إدَّعى العلم فخرجوا علينا بكذبة ” مقدسة ” جديدة مثل مسرحية ” دافنشي كود”؟. لماذا يرَّكزون على إختلاف ميلاد المسيح بدل أن يحاولوا فيقارنوا المعطيات العلمية والكتابية ليروا الحقيقة؟. لماذا يُصِّرون على تأكيد ما لم يُصبح حقيقة ثابتة؟. لماذا يُبعدون الأنظار عن واقع يعيشه مليارات الناس ومن آلاف السنين؟.

ليس هدفي أن أُعيد العلماء المزورين الى جادة الحق، لأن من يتعَمَّد فينشر الضلال لا حقَّ فيه. هدفي أن أُنَّبه المؤمن وأُحَّذِرَه من السموم المدسوسة في منشورات كثيرة في وسائل الإعلام الأجتماعي، بتعابير لطيفة وفلسفةٍ مغرية، من عقود ولا تزال، لآستئصال جذور الأيمان والوصول الى نبذ وجود الله الخالق. ثم أدعوهم لينيروا إيمانهم فيتثقفوا ويعرفوا عن نجمة الميلاد وعن العيد في 25/ 12، وعن نيّة الأنجيلي، وهدف الكنيسة. أُحِّبُ ألا يمُرَّ القُرّاء بكذا أخبار مرور اللامبالاة او الأنبهار ولا حتى الخوف، فلا يكونوا قطيعًا يُقاد دون أن يختار مرعاهُ. بل أن يكونوا متيَّقِظين فيبحثوا ويناقشوا ولا يفوتهم قطارُ الشهادةِ للحَّق، و إلا سيفوتهم أيضًا قطارُ الحياة. أَ ما قال مار بولس بأنَّ المسيح قد حرَّرنا ولا نور لنا غير نور الله؟. أ ما دعانا يوحنا الى اليقظة مما يأتينا من خارج الكنيسة ؟.

ما قاله ناشر المقالة !

أبدأ بمناقشة ما جاء في المقالة وموقف الناشر المصري لآرائِهم وأترك التفاصيل ليناقشها القاريءُ الكريم. وضع الناشر عنوانًا للمقالة ما يلي: ” علماء فلك يُفَّجرون مفاجأة ويؤَّكدون أن المسيح وُلدَ في شهر يونيو” ويُضيف “على عكس الإعتقادات السائدة “!!!. مفاجأة !!! و تركيز على ميلاد المسيح !!! وطلب ” إرسال الإعتقاد السائد إلى دائرة التقاعد ؟!!!!! وكأنَّه

يُعلن بشرى سارة  أثلجت صدرَه لأنَّ هَمًّا كبيرًا أو كابوسًا خانقًا إنزاح عن وُجدانِه. لماذا لمْ  يتَحَّرَ عن هوية أولئك العلماء كما يجب أن يفعلَه كل كاتب نزيه.  ولا عن سبب تثبيت عيد ميلاد المسيح في 25/ 12. بل تهَلَّلَ رأسًا للخبر وتوَّقع سقوط العيد، هل لسوء نية أم لعادة الصيد في الماء العكر؟. والأغرب منه أنَّ بعضَ قادةِ اليزيديين في العراق صرَّحوا أنَّهم سيَتمَّسكون بهذا العيد في موعده 25/ 12 حتى لو تنازلَ عنه أصحابُه المسيحيون!. أَ  ليس الأمرُ غريبًا؟. هل هو زيادة في المحبَّة أم ” مصائبُ قومٍ عند قوم آخر فوائدُ “؟؟. أم لعبة مفبركة ومسرحية يُمَّثلها أطرافٌ عديدون؟.

تابع الناشر قوله :” كشفَ مجموعة من علماء الفَلَك عن أنَّهم خلُصوا .. الى القول بأنَّ عيد الميلاد { يجب ان يكون في شهر يونيو وليس في ديسمبر كما الحال الآن} “(هكذا ! وهل ينوون أن يُغَّيروا حتى أعيادَنا)؟. ثم يستشهدُ بصحيفة ” التلغراف” االبريطانية (وكر التنّين القديم/ الوحش) وينقلُ كلامها :” ان ميلاد السيد المسيح… هو في يوم 17 من شهر يونيو وليس يوم الـ 25 من شهر ديسمبر”. ( وهكذا يقسمون المسيحية بين تاريخين للميلاد كما هي الحال في عيد القيامة ! الله يستر!). وفي نهاية المقالة يُثَّبتُ ميلاد يسوع المسيح في 17/ 6/ 2 ق.م.، مُضيفًا ” وكانت إحدى البحوث المقبولة عمومًا حددت الميلاد في الفترة ما بين 3ق.م و 1 ميلادية “.

يلاحظ القاريءُ الكريم من سياق الكلام أنَّ التركيز هو على” وجوب ” تغيير تاريخ ميلاد يسوع وهذا يؤدي بدوره الى تغيير العيد و…و… وليس على الخبر المزعوم بعلمي!. لكن الباحث عن الحقيقة يتساءَل أولاً عن : مدى صحَّة ما يقرأُه، والثقة بنزاهة الكاتب؟. وهل أصبح خبر النجمة علمًا ثابتًا معترفا به من الهيئة الدولية؟.  وحتى لو كان صحيحًا ما إِدَّعاه كِيفْ رينيكي بأن النجم بدأ يظهر في يونيو يبقى السؤال هل ولد المسيح فعلا في يونيو؟. من يؤَّكد المعلومة: هل شاهده ناسٌ صيفًا وتبعوا أخباره وآمنوا به (لو1: 1-4؛ 2: 8-20)؟ . ما هي المستندات التأريخية لذلك؟. هل يشهد ليسوع بطرس أم قيصر؟.

والسؤال الذي ينتج من ذلك: تحديد يوم 25/ 12 عيدًا لميلاد المسيح هل جاءَ إعتباطًا بدون تحقيق أو تمييز أو هدف؟. من أقام الأعياد هل العلماء والساسة أم السلطة الدينية؟. و سؤال آخر يطرح نفسَه: هل نشر أولئك العلماء بحثهم في مجلة علمية وحازوا على إتّفاق دولي وتأييد الهيئة العلمية الأممية؟. أمَّا ما تنشره وسائل الإعلام فلا أحد يأخذها محمل الجِّد لأنَّ الصحافة مشهورة بدجلها  وتخَّبطها وتقلباتها. يهُّمها الخبر المثير تقولبه حسب أهدافها. أَ ما رفَعَتْ الصحافةُ والفضائيات ” حِذاءَ ” منتظر الزيدي على رفوف المجد وحَوَّطته بهالةٍ من القدسية؟. منذ متى، وبتبرير أيةِ ثقافةٍ أصبحَ حذاءُ الأنسان لسانَه؟. فالحقيقة إذن لا تؤخذ من الصحف بل من مصادرها الأصلية ذي الرصانة والثقة والجدّية.

بين المظهر والجوهر!

قبل أن أعبر الى الحقيقة الكتابية أوَدُّ أن أُنَّبِهَ القرّاء الكرام بأنَّ المسيحية لم تُعَّلِمْ يومًا ولا أَكَّدَت أبدًا أن يسوع المسيح وُلِدَ في 25/ 12 ديسمبر. إِنَّها إِختارَت فقط ذلك اليوم” عيدًا “له لأسبابٍ نذكرها لاحقًا. ولا هَمَّها أن يكون قد وُلِدَ في ذلك اليوم أو في غيرِه ولا حتى في 17 يونيو. لذا لا يهُّمُها تصريح العُلماء ولا هراءُ الجهلاء ولا تبويقُ الأعداء لكل جديد. لأنَّ المسيحية تعيشُ على إيمانها وليس على الفلك أو الفيزياء أو الكيمياء. المسيحية تنطلق من شخص المسيح التاريخي ومبادئِه وليس من أحداثٍ تأريخية. إنها تتبع المسيح عن قناعة و تعلنه في أعماله وتعاليمه، ولا تبحثُ عن تواريخ لميلاده، ولا لموته وقيامته. عرفَ كاتبو الأناجيل تلك التواريخ وآستشهدوا بسبب التمسك بحدثها وإعلانه. لكنهم تجاهلوا عمدًا ذكرها. فقد أعلنوا المسيح ولم يكتبوا التأريخ. يقول مار بولس:” أمَّا الأزمنة والأوقات فلا حاجة بكم ، أيُّها الإخوة، أن يُكتبَ إليكم فيها “(1تس5: 1)، ذلك لكي:” يستند إيمانكم الى قدرة الله لا إلى حكمةِ البشر”(1كور2: 5). هكذا تصَّرف الرب يسوع وفعل من بعده رسُلُه وآقتفت الكنيسة إثرَهم. لم تتأخَّر على القشور والمظهر بل سارت تَـوًّا نحو اللب والجوهر.

(يتبع : الجزء الثاني = العلماء المذكورون والكتاب !)