لم يعرفوا يسوع ، لماذا ؟

أهلا وسهلا بالأخت نضال كندو

سألت الأخت نضال :” لماذا لم يعرف التلاميذ أنَّه المسيح ؟. أ ليس هو نفسَه كان معهم قبل صلبه وموته ، وعاشَ معهم وعمل العجائب ؟. والتلاميذ كانوا معه بعد قيامة يسوع من القبر؟. حتى مريم المجدلية ما كانت تعرفه لمّا رأت يسوع عند القبر وظنّت أنه بستاني. لمـــاذا ” ؟.

ظنوا أنَّهم يرون شَبَحًا !

هكذا ردَّ الأنجيلُ نفسُه في الآية اللاحقة (آية 37)، وأعطى بعدَه مبرراتٍ أُخرى، حتى منها غير متوَقَّعَة. حيث أضاف ” لكنَّهم ظلوا غير مُصَدّقين من شِدَّةِ الفرحِ وآلدهشةِ ” (آية 41). أَنَّبَهم يسوع على شَكِّهم. لكنَّه أيضًا عطف على حالتهم النفسية التي خلَقتها صدمة الصليب وهولها، فأسرع في تقديم أدِّلته على هويته أنه يسوع، كاشِفًا عن جراحات يديه ورجليه (آية 39)، مضيفًا الى لطفه ورحمته إعتبِارَه ضعفَ طبيعتهم وقساوةَ المأساة المُرعبة التي هَزَّت كيانهم بل وإيمانهم. ما عاينوه من عنفٍ وبربريةٍ غير مألوفة زادَ في الطين بِلَّةً فوَحَّشَهم أكثر من أن يُهَدِّبَهم ويهديهم إلى طريق معرفةٍ حقيقيةٍ عمَّا يحدثُ للمسيح. نسوا أقوال يسوع لهم وفقدوا الثقة بأنفسهم. لذا أضاف يسوع فذكرهم بها قائلا :” عندما كنتُ بعدُ معكم قلتُ لكم : لا بُدَّ أنْ يتّمَ لي كلُّ ما جاءَ عنّي في شريعةِ موسى وكتب الأنبياء والمزامير. ثم فتحَ أذهانهم ليفهموا الكتبَ المُقَدسَّة ” (آية44-45).

ربما كان شَكُّهم تجربةً من الشيطان كي يعودوا أدراجهم ويتخَّلوا عن المسيح. فلم يُحاسبْ يسوع ضعفَهم، بل إستدركه بتقوية إيمانهم وآستلحقهم فعلمهم كيف يثبتون في دعوتهم و إيمانهم بمعرفة كلام الله والإنصياع له وآلتصَدّي لابليس ونبذ كلِّ ما يُقلقُهم عنه. كانوا بعدُ يجترّون تعليم العالم ويسلكون أخلاق أبنائِه ويُبدون قساوةَ القلب وضُعفَ الأيمان بمسيحانية يسوع كما ذكر مرقس (مر16: 14). لم يكونوا متضَّلعين في معرفة الكتاب المقدس وفهمه ، ولم يفهموا معنى القيامة كما ذكر يوحنا (20: 9). أضف الى ذلك خوفهم على حياتهم المُهَدَّدَة بالموت نتيجة تبعيتهم له (متى27: 69-75)، حتى إحتاطوا بغلق مخبَئِهم بعد صلبه وموته ” خوفًا من اليهود ” (يو20: 19).

لا ننسى أيضًا ان التلاميذ يشعرون بالخجل وبخيبةٍ مُرَّة بسبب تركهم يسوع وحده يواجه مصيرَه، وآنهزامهم مثل غرباء رغم وعدهم أنهم لن يتركوه بل مستعدون أن يموتوا معه : ” لا أنكرك وإن كان عليَّ أن أموت معك. وهكذا قال التلاميذُ كلُّهم” (متى26: 35). لكنهم عند ساعة القبض على يسوع ” تركوه كلُّهم وهربوا” (مر14: 50).

ولا ننسى أيضًا أن جسدَ يسوع تغَّيَر، بعد موته، الى جسد مُمَّجد وكان غير ممكن أن يراه أحد أو يتعَرَّف عليه بالمقاييس الماديّة والحِسِّية لو لم يسمح له يسوع بذلك (أع10: 41). لقد دخل يسوع عالم المجد ولم يبقَ للحِسِّ عليه سُلطان. ولهذا يدعو المجدليه، بعد أن عرفته، ألا تتعامل معه بالحواس وتُمسِكَ به كي تتمتع برؤيته. فقال لها ” لا تعرقلي صعودي الى السماء “. وبهذا دعاها، ومثلها كلَّ المؤمنين به، الى أن يتعَوَّدوا أن يروه ويحدثوه بالروح، بالفكر والقلب، وليس بالعين واللسان. القيامة جددت الخليقة ودعت الأنسان أيضًا الى أن يتجَدَّد في علاقته بالله فلا يتعَلَّقَ به بالنظر واللمس بل بالأيمان والمحبة والثقة.                                    

فجميعُ هذه الأمور خلقت عند التلاميذ حالة توَتُّرٍ وشكٍّ يصعبُ معها أن يستعيدوا سريعًا علاقتهم الحميمة الأولى. ربما كانوا قلقين على مستقبلهم. بل كادوا أن يتراجعوا عن صحبة يسوع ليعودوا الى مهنة الصيد لولم يستلحقهم يسوع فيطمئَنهم ويجدّدَ عزيمتهم (يو 21: 2-3). لم يسبق لهم ان رأوه في هذه حالة المجد. حتى عند التجلي لم يكن قد رآه غير ثلاثة منهم (متى17: 1). حتى في ترائي يسوع الثالث بعد القيامة لم يتعرفوا اليه إلا بعد الصيد العجائبي (يو21: 4). كانوا أقربَ الى حالة فقدان ما سبق وتلقوه من المعلم. تفاجأوا برؤية يسوع رغم ورود بعض الأقوال الأولية عن قيامته. كيف قام؟ ومن أقامه؟. هكذا لم يعرفوه لأول وهلة ولم يطمئنوا، بل خافوا وآضطربوا.

فخّضَّ يسوع كيانهم الهزيل وأنعش غيرتهم الأولى وأضرم قلوبهم بالمحبة الصادقة (21: 15-17). صَفَّى ذهنهم  المغَوَّش وفتح قلبَهم القاسي، المملوء هَـمًّا وغَـمًّا، حتى كانوا : ” ينوحون ويبكون ” (مر16: 10). إستعاد يسوع تقويةَ معنوياتِهم. الحياة ستستمر وبشكل أفضل. والآن جاء دورهم ليتابعوا عمله. وسيعود إليهم هدوؤُهم رويدًا رويدًا، وسيعرفون يسوع على حقيقته ويعون رسالته ورسالتهم. فطلب منهم أن يتهَيَّأوا لآستقبال أنوار الروح القدس والتحَّلي بقوَّته ليواجهوا عواصف الشر ويتغلبوا عليها :” أُمكثوا في أورشليم …. إنتظروا وعد الآب … الروح القدس يحُّلُ عليكم ويهبكم القوَّة وتكونون لي شهودًا ..” (أع 1: 4-8).