لمــاذا إعـتمـد يســوع

أهلاً وسهلا بالأخ مخلص.

كتب الأخ مخلص يقول :” نحن نؤمن بأن يسوع آلمسيح هو الله الذي تجَّسَد. ونعلم أنه هو القداسة بالذات. وبعد أيام سنحتفل في عيد الدنح ، مثل كل سنة، بذكرى عماده. فلماذا إعتبر نفسَه خاطئًا وطلب من يوحنا آلمعمدان أن يُعَّمدَه مثل بقية الخاطئين” ؟.

إعتمد فعلا كأنه خاطيءٌ يتوب !

جَيِّدٌ جِدًّا أنَّكَ لاحظتَ ذلك. لأنَّ يوحنا دعا الخاطئين إلى التوبة. كانت بشارتُه ” توبوا فقد إقتربَ ملكوتُ الله ” (متى3: 2). ولا يملكُ الله على خاطئين دنسين لأنه هو القداسة بالذات، بل سبق ودعا الشعبَ طالبًا منه أن يكون قدّوسًا مثله (أح19: 2). وأكَّدَ يوحنا لمن كانوا ” يعتمدون منه معترفين بخطاياهم “أن ” .. أثمروا ثمرًا يبرهنُ توبتكم … أنا أُعَّمِدَكم بالماء من أجل التوبة..” (متى3: 6-11). وعلى هذا الأساس رفضَ في البداية أن يُعَّمدَ يسوع لأنه عرفَه أنَّه آلمسيح، كما كشفه له الله نفسُه :” جئتُ أٌعَّمد حتى يظهر(المسيح) لإسرائيل. .. لم أكن أعرفه. الذي أرسلني هو قال لي : الذي ترى الروح ينزل ويستقرُّ عليه هو الذي سيُعَّمدُ بالروح القدس ” (يو1: 31-34).

لما إعترض يوحنا على طلب يسوع أن يعتمد كخاطيء كان رَدُّ يسوع ” دع هذا الآن. لأننا به نُتَـمِّمُ مشيئة الله “. ومشيئة الله هي أن يخلُصَ آلأنسان (يو3:17؛ 6: 39-40؛ 12: 47) أن يعود الى مجده في مشاركة حياة الله وخيراته، أن يكون قدّيسًا (1تس4: 3). وخلاص آلأنسان وقداستُه في أن يتوب عن زَلَّته الأصلية ، وعن زلاته الشخصية. وجاء آلمسيح ليخَّلصَ الأنسان ” اليوم ولد لكم المخلص ” (لو2: 11).  

وكان أول فعل ليسوع ، بصفته المخلص، أن يعترف بخطيئة الأنسان ، آدم وأبنائه الذين أخطأوا وهم في صلبه الأنساني (رم5: 12). ويسوع من صلب آدم، ناسوته من ناسوت آدم. إنَّما ناسوتهٌ بار وقدوس كما كان ناسوت آدم قبل أن يخطأ. وبآعتباره إبنًا لآدم وحواء كما قال الله (تك3 : 15)، وأخًا لكل إنسان، فهو يعترفُ بخطيئة الأنسان ويتضامن معه، ويفتح له بابَ الخلاص عن طريق التوبة. وقد مارسها بنفسه في العماد مُعطيًا لأتباعه درسا في التواضع وسلوك الحق (يو13 : 15؛ في2: 7-8). وردَّ بذلك للأنسان إعتبارَه وكرامته ، ومجده الذي فقده بسبب الخطيئة.

يوحنا شهدَ  لهذا آلأعتراف (يو1: 34) وقَـبِـلَ توبتَه بآسم الله الذي أرسله ليقبل توبة الخاطئين عن طريق معمودية الماء. وهيَّأ بهذا أذهان شعب الله فيفهموا  أن التنقية الحقيقية للخلاص ستتم على يد يسوع الذي سيُعَّمد ” بالروح القدس والنار” (متى 3: 11). هو” سيُنَّقي بيدرالله، ويغفرُ لمن يؤمنُ به ويتوبُ ويسلكُ طريقه (متى3: 12). وقد غفر خطايا فردية (لو7: 48؛ متى9: 2)، وسيغفرها للبشرية على الصليب ” إغفر لهم يا أبي ..” (لو23: 34)، لكل من يؤمن به ويعتمد (مر16: 16؛ يو6: 40)، وسيُقَّلد كنيستَه سُلطان غفران الخطيئة (يو20: 22).

من الختانة إلى المعمودية !

ربما كان السببَ آلثاني رفعُ آلأنسان الى آلمستوى الروحي، لأنَّ الله روح وآلأنسانَ صورتُه التي شوَهَّها بالخطيئة. ولكي يعود الأنسان إلى صداقة الله ومشاركة حياته، وصورة حقيقية ناصعة وشفّافة، كان بحاجة الى تغيير طريقة إنتمائه إلى الله. كان آلأنتماء في آلعهد القديم ، الجسدي آلترابي، بختان الجسد. كان بحاجة الى ” ختان آلقلب “(رم2: 29). لأنه كما ولدنا من آدم بالجسد كان علينا أن نولد ثانية من الله بالروح (يو3: 3-6)، وكما لبسنا الصورة الترابية لآدم كان ينبغي لنا، لكي نخلص، أن نلبس صورة المسيح السماوية (1كور15: 45 -49). وقد لبس يسوعُ، في جسده، الصورتين : قبل الختانة آعتمد في الماء.

ولأننا أصبحنا مع المسيح في عهد الروح (رم8: 1-9). وعهد الروح، ختان القلب، كما قال يسوع لنيقوديمس، يتم في ” الولادة من الماء والروح ” (يو3: 5). وإِذ إعتمد هو بآسم آدم وذريَّتِه ، في الماء إعترافًا منه بخطيئة الأنسان، فتح بابًا جديدًا للأنتماء الى الله بالعماد في الماء رمزًا للتنقية، ومنح الروح القدس الألهي للمعمدين ليتغلبوا على الشر في جسدهم ، و يكسروا شوكة ابليس عدوهم الذي سحق يسوعُ رأسَه وحكَمَ عليه (يو16: 11). ما لم يكن الأنسانُ قادرًا عليه بقوته الذاتية أصبح قادرًا عليه بقوة الروح الألهي آلحّالُ فيه.

لقد أعطى يسوع التوبةَ وحلولَ روح الله عليه بالمعمودية سبيلاً للخلاص ومثالاً لغيره. و قالت عنها الصلاة الطقسية أنَّها أصبحت حِضْنا روحيًا يُنجب أبناء لله. ومن ثمَّةَ أقام يسوعُ المعمودية وسيلةً وعلامة جديدة للأنتماء بها الى الله، عوض الختانة ، وسبيلا للإرتقاء الى المشاركة في حياة الله. وقد قال الله عن يسوع :” هذا هو ابني الحبيب الذي به رضيتُ ، له إسمعوا ” (متى3: 17؛ 17: 5). ولمَّا جعل يسوعُ المسيح المعمودية طريقًا الى الله ثبَّتها علامةً للأيمان (مر16: 16) و نظامًا في كنيسته أبديًا : ” تلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم بآسم الآب وآلإبن والروح القدس، وعلِّموهم أن يعملوا بكل ما أوصيتكم به ” (متى 28: 19-20).  وقد قدَّم لنا مار بولس المعمودية رمزًا وسبيلا لموتنا عن الخطيئة وقيامتنا للحياة الروحية الألهية مع المسيح (رم6: 3-5) الذي، بآسمنا، إعترف بالخطيئة وتاب عنها في العماد، وكفَّر عنها بآلطاعة حتى الموت على الصليب للثبات على الحق، وتمجد في الحياة مع الله ضامنًا مجد الأنسان، إذا إقتدى به بتبَّني شريعةِ الله والثبات على الحق.