لحم الخنزير : هل  أكله حرام ؟

أهلا وسهلا بالأخت بسمة يوسف

كتبت الأخت بسمة تقول :” هل لحم الخنزير حرام ؟ يقول لي بعضُ الناس ” مكتوبٌ في الكتاب المُقَّدس أكلُ لحم الخنزير حرام ” !

العهد القديم !

جاء في سفر الأحبار عن حلال وحرام بعض المأكولات ما يلي :” تأكلون من جميع بهائم الأرض ما هو مشقوقُ الظِّفرِ ويجتَرُّ. أمَّا الحيواناتُ التي تجْتَّرُ وأظفارُها غير مشقوقة أو التي لا تجنَّرُ وأظفارُها مشقوقةٌ فلا  تأكلونها لأنها نجسٌ لكم : الجملُ لأنَّه يجتَّرُ ولكنه غير مشقوقِ الظفر، والغرغورُ .. والأرنبُ ، والخنزيرُ لأنَّه مشقوقُ الظِفرِ ولكنَّه لا يجتَّرُ” (أح 11: 2-7). ” نجسةٌ لكم ” أي محرومةٌ على أتباع موسى وليس بذاتِها. وذلك لأسبابٍ إعتبرَها موسى مفيدة، و رُبَّما ظرورية بسبب البيئة والظرف الزمني. والهدفُ مُساعدة الشعب، في حاله وظرفِه، على سلوك سبيل القداسة بسماع كلام الله وحفظ وصاياه، وعدم الإنجرار وراء شهوة البطن. إنَّه تشريعٌ حِسّيٌ مادي يساعدُ على تنفيذ بنود وصايا الله الروحية، وآلإرتقاء إلى صورة الله في حياةٍ روحية، والتحَرُّر من العادات الوثنية الجسدية. الله وجودٌ كاملٌ وقدوسٌ وقادرٌ على كلِّ شيء. أما الأنسان فمرتبط بالله في وجوده وحياته. ولا يحيا ” بالخبز وحدَه ، بل بكل كلمةٍ تخرجُ من فم الله ” (تث8: 3؛ متى4:4). ويدعوه إلى أن يتشَبَّهَ به في القداسةِ (أح19: 1؛ 1تس4: 3) والكمال (متى5: 48).ولذلك يجب الأرتقاءُ من الحِسّيات الى الروحانيات. فشريعةُ موسى سَنَّها كدستور زمني للعهد مع الله. ففرضَها بآسم الله (أح10: 11-20) ليثقَ به الشعبُ وينقادَ له بسهولة، فيتحَقَّقَ مخططُ الله ويصلَ الشعب بسلامة الى أرض الميعاد.

وجاء في سفر التكوين ما يلي :” ونظر اللهُ إلى كلِّ ما صنعه فرأى أنَّه حَسَنٌ جِدًّا ” (تك1: 31). لم يقل فقط ” حَسَنٌ ” بل ” حسَنٌ جِدًّا “، أي لا عيبٌ فيه ولا نقصٌ ولا ما يلوم. لأنَّ الله كاملٌ يعلمُ كلَّ شيء ويعرفُ ماذا يصنعُ وكيف يصنع. وهو قُدّوسٌ وأبو الحَّق فلا يُعطي الناس ما ليس جيِّدًا، ولا ما يُؤذيه أو يُفسِدُه. ولن يخرجَ من يد قداسة الله وكلامِه أمرٌ نجس. بلَ من ” عنده تأتي كلُّ عطيةٍ صالحة وكلُّ هبةٍ كاملة… وهو لا يتغير ولا يغُشُّ ” (يع1: 16-17). ولا يُناقض نفسَه ولا يحتاج الى التغيير:” ليس اللهُ بإنسانٍ حتى يكذب، ولا كبني البشر فيندم” (عدد23: 19). فما كان قد صنعه ” حَسَنًا ” يبقى في طبيعته حَسَنًا الى الأبد. خاصَّةً وأنه خلقه من أجل الأنسان، لخدمته ومنفعتِه. فالحرامُ والحلال من موسى وليس كلامًا مباشِرًا من الله.

العهد الجديد !

ونقل الأنجيل كلام الرب يسوع، الذي لم يهضِمْه أوّلا حتى الرسل، وهو يُعلن :” ما يدخُلُ الفَم لا يُنَّجسُ آلأنسان، بل ما يخرجُ من الفم هو الذي يُنَّجسُ الأنسان…لأنَّ من القلب تخرجُ الأفكارُ الشّريرة .. وهي التي تُنَّجسُ الأنسان” (متى15: 11 و 19-20). وذكر سفرُ أعمال الرسل خبر مار بطرس الذي، بينما كان ينتظر ليتغَّدى، ” رأى السماءَ مفتوحةً، وشيئًا يُشبهُ قطعة قماش كبيرة معقودةً بأطرافها الأربعة تتدَّلى الى الأرض. وكان عليها من جميع دوابِ الأرض وزَحّافاتِها وطيور السماء. وجاءَه صوتٌ يقول له : يا بُطرس، قُمْ آذبَحْ وكُلْ . فقالَ بطرس: لا يا رب! ما أكلتُ في حياتي نجِسًا أو دنِسًا. فقال له الصوت ثانيَةً : ما طَهَّرَه الله لا تعتبرْه أنتَ نجِسًا. وحدثَ هذا ثلاثَ مرّات، ثم آرتفع الشيء في الحال الى

السماء ” (أع10: 11-16).

كان موسى، وهو عاملٌ فقط أمين في بيت الله، قد حرم أكل لحم بعض الحيوانات لآعتقاده أنَّ ذلك يخدم الشعب ويبني إيمانه” شاهدًا على ما سيعلنه الله” بعده (عب3: 5). وعلى يد بطرس ، وهو ايضًا عاملٌ أمينٌ في بيت الله، أعاد الله الحَّقَ الى نصابِه وكلَّفه بأن ” يرعى شعبَه الجديد.. فيحُلَّ ويربط ” (يو21: 15-17؛ متى16: 19). وطُلبَ منه ألا يُنَّجسَ ما خلقه نقيًّا طاهرًا.

بولس أيضًا قال في رَدِّه على أناسٍ”مُرتَّدين عن الأيمان .. ويتبعون أرواحًا مُضِّلةً وتعاليمَ شيطانية، مرائين كذّابين .. يُنهون عن الزواج وعن أنواع ٍ من الأطعمة خلَقَها الله ليتناولَها ويحمَدَه عليها الذين آمنوا وعرفوا الحَق. فكلُّ ما خلقَ اللهُ حسَنٌ، وما مِن شيءٍ يجبُ رفضُه ، بل يجبُ قبولُ كلِّ شيء بحمدٍ ، لأنَّ كلامَ الله والصلاة يُقَدِّسانِه ” (1طيم4: 1-5).

بين العهدين !

ويقولُ الكتاب عن العهد القديم (خر24: 3-8) أنه شاخ وعتق .. ولام اللهُ شعبَ موسى أنه لم يثبت على العهد .. ونوى أن يقطع مع بني اسرائيل عهدًا جديدًا ..” (عب8: 7-13). و قد قطعه فعلاً بدم يسوع المسيح:” هذه الكأسُ هي العهدُ الجديد بدمي الذي يُسفَكُ من أجلكم” (لو 22: 20). ونظام العهد الجديد هو ” نظام الروح الجديد، نظام الفكر والقلب لا الجسد. أي إنَّ الله : ” يجعل شريعته في العقل ويكتبها في القلب ” (عب8: 10)، شريعة الروح والضمير. وهذه شريعة الروح في المسيح ” حررت من شريعة الخطيئة والموت ، أي الموسوية، وجعلت من يتحلى بآلجديدة ” إبنًا لله ، وارثًا له وشريكًا للمسيح ” (رم8: 16-17؛ غل4: 6-7). فدعا مار بولس المسيحيين إلى أن يسلكوا سبيل الروح ، لا الجسد، ” لأنَّ روح الله يسكن فيكم “(رم8: 9).

الشريعة بين موسى ويسوع المسيح !

 نقل الأنجيلُ كلام الرب يسوع المسيح وهو يقول :” أتيتُ لأُكملَّ الشريعة وآلأنبياء .. اذا لم يفُقْ بِرُّكم برَّ معلمي الشريعة والفرّيسيين لن تدخلوا ملكوت السماوات “. ثم أضاف بعدَها :” سمعتم أنَّه قيلَ لآبائكم … أمَّا لكم فأقولُ أنا …”، وبدَأَ يُجَّددُ فيُفَّسرُ ويُغَّير مواقف شريعة  موسى ويَصُّبها في قالب جديد يتماشى مع كلام الله ومشيئته (متى5: 21-48)، ويتوافق مع تعليمه التالي، الذي قال عنه :” ما من أحدٍ يرقعُ ثوبًا عتيقًا برقعةٍ من قماشٍ جديد… وما من أحد يضعُ خمرًا جديدةً في أوعيةِ جلدٍ عتيقة… بل توضعُ الخمرُ الجديدة في أوعية جديدة فتسلمُ الخمرُ والأوعية ” (متى9: 16-17). لذا دعا مار بولس أهل أفسس ليتجددوا ” روحًا وعقلاً لابسين الأنسان الجديد الذي خلقه الله على صورته في البِرِّ وقداسةِ الحَّق ” ( اف4: 23).

أمَّا عن الشريعة فقال مار بولس أنها أُقيمت بسبب المعصية إلى أن يجيءَ النسلُ الذي جعلَ اللهُ له الوعد (تك3: 15)، فكانت ” تحرًسُنا إلى أن ينكشفَ الأيمانُ المنتظر. وكانت مُؤَّدبًا لنا إلى أن يجيءَ المسيح حتى نتبَرَّر بالأيمان. ولما جاءَ الأيمان ” تحَرَّرْنا ” من حراسةِ المؤَّدب (الشريعة) “(غل3: 19-25). والرسالة الى العبرانيين تقول :” كانت الشريعة ( الموسوية) ظلَّ الخيرات الآتية  لا جوهر الحقائق ذاتها (عب10: 1)، لأنها كانت أحكامًا تخُصُّ الجسد وتقتصرُ على المأكل و المشرب ومختلف أساليب الغسل. وكانت مفروضة

الى ” الوقت ” الذي يُصلحُ اللهُ فيه كلَّ شيء” (عب9: 10)، على يد المسيح. وقد أخبر

موسى نفسُه عن ذلك عندما قال:” يقيم لكم الربُّ إلهُكم نبيًّا من بينكم.. مثلي، فآسمعوا له… يلقي الله كلامه في فمه، فينقلُ إليهم (إخوتهم من قومهم) جميع ما يُكَّلمُه به. وكل من لا يسمعُ منه كلامَه يُحاسبُه اللهُ عليه” (تث18: 15-19؛ يو5: 45-46). ويسوع أكَدَّ على أنَّه لا يقول ولا يعملُ شيئًا من عنده بل بكل ما سمعه من الآب وتعلمه منه قائلا :” الآبُ الذي أرسلني هو معي وما تركني وحدي، لأنّي في كلِّ شيء أعملُ ما يُرضيه ” (يو8: 28-29).

يقول مار بولس أنَّ الشريعة كلُّها تكتملُ في وصيَّةٍ واحدة :” أحبب قريبك مثلما تحبُّ نفسَك ” (غل5: 14). وهذا يتماشى مع كلام الرب يسوع :” على وصية محبة الله والقريب ، في القديم والجديد، تقومُ الشريعة كلُّها وتعاليم الأنبياء ” (متى22: 40).    

نستدِّلُ من كلِّ ما سبق أن شريعة العهد القديم الموسوية قد إنتفت وبطل مفعولها مع المسيح. لاسيّما ما يخُّصُ الجسد من طعام أو شراب أو لباس وكل الخيرات الحِسّية الزمنية. فما كان لشعب موسى لا يُطَّبق في المسيحية. يبقى ما كان للأنسان، أو تلميحًا ورمزًا لحياة المسيح، يوَّحد العهدين في كتابٍ واحدٍ مُقَدَّس. مع المسيح ينتهي عهد الجسد ويبدأُ عهد الروح. فلا حرام ولا حلال إلا ما حرَّمه أو حلله الله مباشرةً، أو ما حللته أو حرّمته السلطة الكنسية بآسم المسيح وسلطانه.

يقول مار بولس:” كلوا من اللحم كلَّ ما يُباعُ في السوق ولا تسألوا عن شيء بدافع الضمير. الكتابُ يقول: الأرضُ وكلُّ ما عليها للرب… فإن أكلتم أو شربتم ، أو مهما عملتم فآعملوا كلَّ شيءٍ لمجدِ الله… كلّ شيءٍ حلال ولكن ما كلُّ شيءٍ ينفعُ. كلُّ شيءٍ حلال ولكن ما كلُّ شيءٍ يبني. يجب ألا يسعى أحدٌ الى مصلحتِه بل الى مصلحة غيره …لا تكونوا حجر عثرة لليهود أو غير اليهود، ولا لكنيسةِ الله ..” (1كور10: 23-32).   لذا يكتب مار بولس للرومانيين :” أنتم لستم في حكم الشريعة، بل في حكم نعمةِ الله ” (رم 6: 14). ويضيف :” الآن تحررنا من الشريعة لأننا مُتنا عما كان يُقَّيدُنا، حتى نعبُدَ الله في نظام الروح الجديد، لا في نظام الحرف القديم ” (رم7: 6). لذا يأكلُ المسيحي على راحته لحم الخنزير، ولحم كلِّ حيوانٍ أو طير قبلت به نفسُه أو إشتهته.