كرازة بطرس في روما بدليل ماذا ؟

أهلا وسهلا بالأب حنا سولاقا والأخ سـميح.

تعقيبا على المعلومة بأنَّ مار بطرس بشَّر في روما ومارس هناك سلطته على الكنيسة الجامعة ، سأل الأخوة الأب حنا والسيد سميح هل هناك : ” أية واحدة من الكتاب المقدس بأن بطرس الرسول وصلَ الى روما أو كرز فيها “؟.

بطرس، روما والتأريخ !

إنَّ الكتابَ المقدس لا يكتبُ التأريخ ، بل يذكر كيف أنَّ الله كشف ذاته من خلال أحداثٍ تأريخية ، وأعلن مشيئته. لا يهم الكتاب ما حدثَ في التأريخ. إنما يُهمُه أن يوصلَ الى البشر ، من خلال أشخاص وأحداث تأريخية واقعية لا أسطورية ، ما يبني حياتهم ويضمن خلاصهم الأبدي. أما إن كان بطرس قد بشَّر في روما أو اسكندرية او بغداد او طومبوكتو أو كلكتا أو واشنطن فليس مهما للكتاب حتى يذكره. ولوقا الذي كتبَ سفر أعمال الرسل وعرف تاريخ وفاة بطرس وبولس ومستقرهم النهائي لم يذكره. كما لا يذكر لاهو ولا بقية الأنجيليين تاريخ ولادة يسوع أو وفاتِه. بينما كانوا شهود عيان لوفاتِه مثلا. لأن هذا أمر دنيوي يعودُ الى الروح الصحافية التي نتشبثُ بها اليوم ، مع أننا كلنا نعلمُ أن نصف ما تنشره دجل وتلفيق وتزوير للحقائق الواقعية. إنه روح الحَرْفية. أما الكتابُ المقدس فتوخى إيصال أمور الروح فقط أى حقائق الأيمان و الأخلاق السليمة. أما أمور الزمان والمكان فلم يذكر منها إلا كعابر سبيل أو من قبيل سرد روائي.

الحـرفُ والـروح !

الكتابُ المقدس نفسُه نها عن روح ” الحـرف “. لما تحَّدثَ يسوعُ عن ” أكل جسدِه ” و” شربِ دمهِ ” (يو6: 51-56) تذمر اليهودُ وآعترضوا عليه ” كيف يقدر هذا الرجل أن يُعطيَنا جسدَه لنأكله “؟(يو6: 41 و 52). حتى تلاميذه تذمر كثيرون منهم وقالوا:” هذا كلامٌ صعبٌ ، من يستطيع سماعَه “؟(يو6: 60). ماذا كان جوابُ الرب لهم ؟:” الروحُ هو الذي يُحيي. أما الجسد فلا ينفعُ شيئا”(يو6: 63). وفسَّر لنا مار بولس تعليم المسيح هذا قائلا :” الله هو الذي جعلنا قادرين على خدمةِ العهد الجديد،عهد الروح لا عهد الحرف. لأنَّ الحرفَ يُميتُ ، والروحَ يُحيي ” (2كور3: 6). وأضافَ بأنَّ من يطلبُ الحرفَ ويَستُرُ الروح يتصرف كاليهود الذين” عميت بصائرُهم ، فلا يزالُ القناعُ… على قلوبهم عند قراءة شريعةِ موسى”(2كور3: 14-16).

رومــا و بطرس !

ما مكانة روما نسبة الى مار بطرس؟. بعد حلول الروح القدس ، وبدء إضطهاد الكنيسة وبينما تم تبشير فلسطين وبدأ التلاميذ ينتشرون يبدو أن الرسل وزَّعوا بينهم ، كما ذكرت الكتب التاريخية، المناطق حتى يضمنوا تبشير العالم كله ولا تتداخل جهودهم مع بعضهم. ومن هذا القبيل ذكر مار بولس أنه لم يذهب الى روما من أجل البشارة ، مع أنه عزم على ذلك مرارا كثيرة (رم1: 13)، وكان ما منعه عن ذلك لأنه كان ” حريصًا على أن لا أُبَّشرَ حيث سمع الناسُ بآسم المسيح، لئلا أبنيَ على أساسِ غيري… وهذا ما منعني مرارا من المجيءِ اليكم “(رم 1: 20-22). ويقول التأريخ بأن بطرس هو الذي بَّشرَ روما ، ولم يذكر غيره مطلقا !.  كان مركز تبشير بولس من أنطاكيا من حيث كان بنطلق الى غرب تركيا واليونان. أما بطرس فكان يقيمُ في أورشليم حيث التقى به بولس واقام عنده خمسة عشر يوما(غل1: 18)

وحيث ترأس مجمع أورشليم سنة 50م وفضَ النزاع حول الختانة(أع15: 7). وآلتقى به بولس من جديد بعد أربع عشرة سنة في أورشليم ،ثم غادرها الى أنطاكيا ، مركز الثقافة اليونانية ، حيث التقى ببولس مرة ثالثة وهناك سجَّلَ بولس موقفا شاذا على بطرس يمكن تأويله بـ ” لفتة عنصرية ” فلامه بولس قائلا :” قاومتُه وجها لوجه لأنه كان يستحقُ اللوم” (غل 2: 1 ،و 9-14).

روما  و  بابل !

وذكر المؤرخون أن بطرس هو الذي أُرسلَ الى روما ربما لكونه رئيس الرسل ولكون روما عاصمة الأمبراطورية الرومانية منها ينطلق كل قانون وكلُ فساد. حتى دُعيت بسبب سمعةِ فسادها الشهير ” بابل” ، تشبُّها بأول مدينة إشتهرت بكل علم وفن ولا سيما بالضلال والفساد. فصارت نموذجًا يُضربُ بها المثل. هكذا سَّماها كاتبُ سفر الرؤيا :” فرأيتُ إمرأةً راكبة على وحشٍ … له سبعة أرؤس وعشرة قرون … بيدها كوبٌ مترَعٌ بمكروه رجس دعارتها ، وعلى جبينها اسمٌ مكتوبٌ يرمزُ الى بابل الكبرى أمِ بغايا الدنيا وأدناسِها … لا بد هنا من الفطنة والحذاقة : فالأرؤُسُ السبعة هي التلالُ السبعة التي قامت عليها المرأة … والقرون العشرة هي عشرة ملوك… سيحاربون الحمل ، والحملُ يغلبُهم … وتلك المرأة هي المدينة الكبرى التي تسود ملوكَ الأرض”(رؤ17: 3-6 ، و9، و12-14، و18). ومن تكون تلك المدينة التي كانت تسود العالم وقادته في نهاية القرن الميلادي الأول غير روما ؟. روما سُّميت إذن بابل !.

وبطرس سكن بابل التي منها كتبَ رسالته الى مؤمني شمال وغرب تركيا، ويختُمها بهذه الآية التي إشتاق اليها أبونا حنا وسألَ عنها ، وهي : ” كنيسـةُ بابل ، وهي مختارة مثلكم ، تُسَّـلمُ عليكم ، ويسَّلمُ عليكم إبني مرقس “( 1بط 5: 13). لما شَّكَ توما بشهادةِ الرسل عن أنهم شاهدوا يسوعَ حَّـيا ، قائما من بين الأموات ، وطلبَ برهانا حّسـيًا ، أحَّبهُ الرب ولم يشَأ أن يتعَّذبَ في قلق الشك ، فظهر للرسل وتوما معهم وأراهُ ما طلب ” جروحَ يديه وجنبِه “. لكنه عاتبَه أيضا بشّدة وأعطى الطوبى لمن آمنوا دون أن يطلبوا برهانا حسّيا حرفيا ، لأنَّ ” الحرفَ يُميت ” أما ما يُحيي فهو الأيمان (رم1: 17). وكم يكون حُّبُ الله عظيما لأبونا حنا وللأخ سميح حتى فكر بهما قبل حوالي ألفي عام فأوحى الى بطرس أن يذكر هذا الخبر، إذ لم يشأ أن يدعهما في قلق الشك.

إنما حَّـيرني أمرٌ وقضَّ سؤالٌ راحتي : ربما لا يملك الأخ سميح كتابا مقدسًا حتى يقرأه و يعرفَ محتواه بحيث يبحث عن الجواب عند كل سؤال تطرحه عليه الحياةُ. أما أبونا حنا فليتَه لم يسألني ؟. وترَّددْتُ كثيرا في الأجابة عليهِ لئلا أُحرجَه. ولم أكتبْ الجوابَ إلا بعدما جاءَني وحيٌ مفادُه أنه من الممكن بأن أبونا لم يقرأ الكتاب المقدسَ كله. فكتبتُ الجوابَ لكنَّ حيرتي لم تـزُلْ : أ يُعقلُ أن يكون كاهنُ جاهلا بمحتوى الكتاب المقدس وهو يتكلُ عليه ” في التعليم والتفنيدِ والتقويمِ والتأديب في البر، ليكون رجلُ اللـه كاملا ، مُعَّـدًا لكل عملٍ صالح ” ؟ !.

القس بـول ربــان