رئيـسُ هـذا العـالم

أهلا وسهلا بالأخ رمزي يوسف.

سأل الأخ رمزي :” من هو رئيسُ هذا العالم بحسب الكتاب المقدَّس” ؟.

ما هو العالم ؟

للجواب على هذا السؤال يقتضي ان نُحَدِّدَ أولاً : ما هو العالم؟. لقد أُستعمِلت كلمة ” العالم” بمعانٍ مختلفة، أهَمُّها : الأرضُ والفضاء وما فيها من مخلوقات كما وصفها الكتابُ المقدس في تك1: 1–2: 25، و كما وصفها بعد قليل، بعد سقوط الأنسان في الخطيئة، في تك3: 1 —6: 22) !. الأول هو ما يُدعى  “كوسمُس”، مجمل الكون كما خلقه الله. خرج بالأصل من فعل الخلق، وهو صالح يُشيرُ إلى عظمة الله وقدرته وآهتمامه، ” يشهدُ لنفسِه بما يعملُ الخير. أنزل المطر من السماء وأعطى المواسم في حينها، ورزقكم القوت وملأَ قلوبَكم بالسرور” (أع14: 115-17). أمَّا الثاني فهو الذي سكنه الأنسان وقد وقع بيد الشَّر(1يو5: 19). لقد شوَّهته الخطيئة التي بسببها صارت الأرضُ ملعونة وقاسية على الأنسان والموت أذَّله (تك3: 17-19). ذلك منذ البداية لأنَّ ” خطيئة إنسان واحد قادت البشر الى الهلاك “( رم5: 12). وبما أن الأنسان سمع للشيطان وليس لله فسقط عن مجده، رغم بقائِه سيَّدًا على المخلوقات، وأصبحوا كُلُّهم أتباع للشيطان، وصار الشيطان رئيسَ العالم يُفسِدُ أخلاقَ الناس ويزرع الفوضى بين الخلائق ويُثيرُ الحسد والبغضَ والعنفَ في كل كائن حَّي.

رئيسُ العالم !

إِنَّ الله لم يُكَرِّس هذا الواقع. لم يقبل به، أبقاه كما هو، إنَّما وعد وخَطَّطَ ليُرَّجع الأمور الى طبيعتها فيُحَرِّرَ الأنسان والمخلوقات من سُلطان ابليس. سيقوم صِراعٌ بين الأنسان وابليس مع أتباعه. و واحد من نسلِ الأنسان، “وكان آدم صورةً لنسله هذا الذي يجيءُ بعدَه” (رم5: 14) سيسحقُ رأس ابليس الذي يحاولُ أن ينالَ منه (تك3: 15). يحاولُ ابليس أن يُغري نسل آدم بالشهوة والكبرياء وممالك الدنيا ومجدها (متى4: 3-9). يحاول أن يجُرَّ من يتبعه الى محاربة الله والمسيح ويقاوم الحَّقَ والبّر ويفعل الشَّر(يو3: 19-21). أصبح ابليس سيِّدَ هذا العالم (2 كور4: 3-4)، عالم الكذب والدجل (يو8: 44-47)، فقال عنه بولس:” قاوموا مكايد ابليس.  نحن لا نحاربُ أعداءَ من لحم ودم، بل أصحابَ الرئاسةِ والسُلطان والسيادة على هذا العالم ، عالم الظلام والأرواح الشّريرة في الأجواء السماوية ” (اف6: 11-12).     

المسيح والعالم !

أرسلَ الله للأنسانية الأبنَ الموعود :” لمَّا تمَّ الزمان أرسلَ اللهُ إِبنَه مولودًا لآمرأة… ليفتديَ الذين هم في حكم الشريعة، حتى نصيرَ نحن أبناءَ الله “(غل4: 4-5). وكما قال يسوع :” أرسلَ اللهُ إبنه الى العالم، لا ليدين العالم بل ليُخَّلِصَ به العالم ” (يو3: 17). وأكَّدَ يسوع أنَّه هو ابنُ الله المُرسَل (يو10: 36-38)، وأنَّه جاءَ نورًا في العالم (يو8: 12) وشاهدًا للحَّق (يو18: 37)، وفاضِحًا ” فساد أعمال أهل العالم ” (يو7:7)، أهل الظلام والشر(يو3: 19-20). حارب ابليسُ يسوعَ ، و حاول أن يُغريه كما فعل مع آدم، وكما يفعلُ مع كلِّ إنسان (لو 4: 3-12). لكنَّ يسوع هو الذي إنتصرَعلى ابليس ودحره فاشلاً. فحَرَّضَ ابليسُ قادةَ اليهود على قتله، فأغرى بالمال يهوذا الأسخريوطي على خيانته وتسليمه للموت (يو13: 27)، وحشد فكر القادة وقلبهم بالحسد (مر15: 10) واقنعهم بالتخَّلص منه (يو11: 47-57)، لأنه أظهر أنَّه يرفضُ عالمَهم الشَّرير، فصلبوه ونالوا منه.

فعلاً أكَّدَ يسوع لتلاميذه أنه ليس من العالم الفاسد، وتلاميذه مثله (يو17: 14-16). وأنَّه

سحقَ رأسَ ابليس إِذ فضح كذبه وكشف فساد نيَّاته وأعماله مع أعمال أتباعه (يو7: 44). و أعلن إنتصاره على العالم, وعلى سَيِّده (يو16: 33). فسَيِّدُ هذا العالم قد أُدين وحُكِمَ عليه (يو16: 11)، وخسرَ سلطانه على الكون كلِّه على الأرض كما في السماء ،” وسقط التنينُ العظيمُ الى الأرض، وهو تلك الحَيَّة القديمة والمُسَّمى ابليس أو الشيطان، خادعُ الدنيا كلِّها وسقط معه ملائكتُه… وذهبَ يقاتلُ باقي نسل المرأة الذين يعملون بوصايا الله وعندهم شهادة يسوع “(رؤ12: 9 و 17).

فيسوع هو الذي جرَّ البساط من تحت أقدام ابليس، بطاعته لله وقداسةِ سيرته. وأصبح للعالم سَيِّدٌ آخر نموذجًا للبَّقِ والبِرِّ والخير. وقد ” نال كلَّ سلطان في السماء والأرض” (متى28: 18)، لقد جلس عن يمين الله (مر 16: 19)، وآستلم سلطة القضاء كلَّها ” فآلآبَ لا يدين بنفسِه أحَدًا لأنَّه جعلَ الدينونة كلَّها للآ بن، حتى يُمَجِّدَ جميعُ الناس الأبنَ، كما يُمَجِّدون الآب ” (يو5: 22-23). وجاءَ في سفرُ الرؤيا عن ذلك : ” سمعتُ كلَّ خليقةٍ في السماءٍ والأرض وتحتَ الأرض وفي البحر والكون كلِّه تقول: للجالس على العرش وللحمل الحمدُ والإكرامُ والمجدُ والجبروتُ الى أبدِ الآبدين” (رؤ5: 13). يبقى الشيطان يُحَرِّضُ ” أهل العالم ” على الشر، لكنه لا يقدر أن يُفسِدَ ويُؤذي إلا على يد من يسَّلمونه قيادةَ حياتهم. وأمَّا رئاسة العالم فقد خسرها ابليسُ الذي ” سقط فأُلقيَ في بحيرةِ النار والكبريت، حيثُ كان الوحشُ والنبِيُّ الكَذّابُ، ليتعَذَّبوا كلُّهم نهارًا وليلاًا إلى أبد الدهور” (رؤ20: 10).

يسوع وحده رئيسُ العالم الكوني والخُلُقي لكي يُصلحَ فيه ما أفسَدَه ابليس. ولتحقيق ذلك فقد ” إفتدى أُناسًا لله بدمه من كلِّ قبيلةٍ ولسانٍ وشعبٍ وأُمَّةٍ. وجعل منهم ملكوتًا وكهنَةً لألهنا يملكون على الأرض ” (رؤ5: 9-10)، ويسلكون في الحَّقِ والبر(متى6: 33).