خلاص غير المؤمـن

أهلا وسهلا بالأخ سعد حنا بيداويد

كتب الأخ سعد يقول :” يرون من المُتَشَّدقين من الأرثذوكس والبروتستانت يوَّجهون أصابعَ الإِتّهام الى الكنيسة الكاثوليكية يزعمون كون الكنيسة تؤمنُ بـ” خلاص غير المؤمن”، ويتِّمُ تفسيرُه على هواهم. ليتكَ ساعدتني حتى نفهمَ أكثر ونتمَّكن من أن نعلن حقيقةَ إيمان كنيستنا بخصوص هذا الموضوع “.

غير المؤمن !

يقصدُ السائل الكريم بـ” غير المؤمن” الذي لا يعترف بالمسيح ولا يتقَّيدُ بشريعته. إنَّ الكتابَ المُقَدَّس واضحٌ وصريح. يقول مار بطرس :” لا خلاصَ إلاّ بيسوع. فما من إسمٍ آخر تحت السماء وهبَه اللهُ للناس نقدرُ به أن نخلص “. كما قال مار بولس :” اللهُ واحدٌ. و الوسيطُ بين الله والناس واحدٌ هو المسيحُ يسوع الأنسان الذي ضَحَّى بنفسِه فدىً لجميع الناس” (1طيم2: 5). وهذا مبنِيٌّ على ما آمنَ به الرسل بعد ما إِكتشفوه وعاشروه (1يو1: 1-3). أعلن الأنجيل أنَّ المسيح جاءَ ليُخَّلِصَ كلَّ البشر :”.. هَيِّئوا طريقَ الرب .. ليرى كلُّ بشرٍ خلاصَ الله ” (لو3: 6؛ اش40: 5). وقد بشَّر به الرسل :” المسيحُ قدرةُ الله لخلاص كلِّ من آمنَ به لليهودِ أولاًّ ثم لليونانيين، لأنَّ فيه أعلنَ اللهُ كيفَ يُبَرَّرُ الأنسان ” (رم1: 16-17). كما يخضعُ كلُّ إنسان لجودِ خلقةِ الله ولرحمةِ فدائِه هكذا يخضع لدينونته وجزائِه. وقد قال يسوع :” أرسلَ اللهُ إبنَه الى العالم لا ليدين العالم، بل ليُخَّلِصَ به العالم ” (يو3: 17)، و أضاف:” ومن رفضني وما قبل كلامي فله من يدينُه، الكلامُ الذي قلتُه يدينُه في اليوم الآخر (يو12: 48).، ولسنا نحن من ندين.  

الكنيسة الكاثوليكية !

سبقَ وأن عالجتُ موضوع الخلاص من هذه الزاوية جوابًا لسؤال في مقال منشور في الفيس بوك منذ 2/ 5/ 2022، بعنوان” خلاصُ غير المسيحيين”، وهو يحوي تعليم الكنيسة الكاثوليكية كما أعلنه المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965م) في وثيقته الرسمية ” علاقة الكنيسة بآلأديان غير المسيحية “، الأرقام : 1-2 و 13-16)، أحيلُ اليه القاريء الكريم. و لمزيدٍ من المعلومات أُضيف ما يلي.

ذكر السائل الكريم ” متشَّدقين .. يزعمون “. ليس هؤلاء من يُمَّثلُ الكنيسة، من أيَّ مُسَّمًى كانت. الكنيسة هي من عرفت المسيح وآفتهمت كلامه. لام الفريسيّون يسوعَ وآتَّهموه بالزندقة لأنَّه قال لهم أنهم ” لا تعرفوني ولا تعرفون أبي” (يو8: 19). حكموا عليه بآسم الشريعة وقد قال عنهم :” أعطاكم موسى الشريعة ولا أحد منكم يعملُ بها “(يو7: 19)، و” أنتم تُهملون وصِيَّة الله وتتمسَّكون بتقاليد البشر. وما أبرعَكم في نقض شريعة الله  لتُحافظوا على تقاليدكم ” (مر7: 8-9). أرادوا رجم الزانية (يو8: 5) في حين أمر الله بعدم قتل الخطأة بل أن يُعطى لهم فرصة التوبة (حز18: 23). وهذا ما فعله يسوع تجاه الزانية (يو 8: 11) داعيًا إِيّاها الى التوبة. هكذا لا تحكم الكنيسة على غير المؤمن بل تساعده على الأيمان وتدع حكمه لله.

قال مار بولس :” الذين خَطئوا وهم بغير شريعة موسى ، فبغير شريعة موسى يُدانون…و الذين بلا شريعة، إِذا عملوا بالفطرة ما تأمُرُ به الشريعة، كانوا شريعة لأنفسهم .. ويُثَّبتون أنَّ ما تأمُرُ به الشريعة مكتوبٌ في قلوبهم وتشهدُ لهم ضمائرُهم..” (رم2: 12-15).

على ضوء كلِّ هذا قالت الكنيسة الكاثوليكية في ” تعليمها المسيحي” لسنة 1995م ما يلي:

الوثائق الكنسية !

“1ـ … المعموديةُ ضرورية لخلاص الذين بُشِّروا وتمَّكنوا من طلب هذا السر(مر16: 16) . والكنيسة تعملُ على أن يولدَ جديدًا من الماء والروح كلُّ الذين يُمكنُهم أن يعتمدوا. إنَّ اللهَ قد ربط الخلاص بسِّر المعمودية. ولكنَّه هو نفسُه غيرُ مُرتبطٍ بالأسرار التي وضعها ” (إنَّه فاحصُ الكلى والقلوب . فقد يتم الأرتباط بالمسيح بمعمودية الماء والدم والشوق).

” 2ـ لقد إعتقدت الكنيسة منذ القِدَم إعتقادًا ثابِتًا بأنَّ الذين يموتون في سبيل الله، ولم ينالوا المعمودية، إنَّما يعتمدون بموتهم لأجل المسيح ومع المسيح. هذه المعمودية بالدم، كالمعموديةِ بالشوق، تحملُ ثمارَ المعمودية من غير أن تكون سِرًّا” (ليس الماء الذي يُطهر عن الخطيئة بل الروح القدس جوابًا لضمير الأنسان. لص اليمين أيضًا لم يعتمند بالماء. و أبرارُ العهد القديم أيضًا لم يعتمدوا بالماء !).      

” 3ـ بما أنَّ المسيحَ ماتَ من أجل الجميع، وبما أنَّ دعوةَ الأنسان الأخيرة هي في الحقيقة واحدة، وهي دعوة إلَهية، فمن الواجب علينا أن نكون على يقين من أنَّ الروح القدس يُمَّكننا ، بطريقةٍ يعرفُها الله، من الأشتراك بالسِرِّ الفصحي. فكلُّ إنسانٍ يجهلُ إنجيلَ المسيح و كنيستَه، ويسعى إلى الحقيقة ويمتثلُ إرادةَ الله، كما يعرفُها، يستطيعُ أن يخلُصَ. ويمكنُ أن نفترضَ أنَّ مثلَ هؤلاء الناس، لو عرفوا ضرورة المعمودية، لكانوا تشَّوقوها صراحةً ”    

التعليم المسيحي للكنيسة الكاثولية ، الأرقام من 1257 والى 1260).

أمَّا المتشَّدقون فقد ينطلقون عما يقصدونه بغير المؤمنين الذين لا فقط يرفضون المسيح و لكن يذهبون الى الأبعد ويضطهدونه. أمَّا الكنيسة فتنطلق من تعليم المسيح وكرازة الرسل وعدالة الله ومعرفته باطن الأنسان ورحمته تجاه الخاطئين الذين فتح لهم باب الخلاص بدمه . ولا يعني ذلك أبدًا أنَّهم يتساوون بمن آمن وأحب الله والقريب وسلك درب الأيمان حتى التضحية والبذل. وتأبى الكنيسة، مثل المسيح، أن تأخذَ شعارًا لها العنفَ والتعَّصبَ و الدينونة السطحية ، بل تتحَلَّى بالصُدق والمحبة والخدمة والبذل والتأَّني، لتكون شاهِدةً حيَّة ومُحييَّة لجميع البشر.