حضور الأطفـال القـداسَ الألهي !

أهلا وسهلا بالأخت حنان بطرس

كتبت الأخت حـنان تستفسر عن تأثيرالقداس ـ الإيجابي أو السلبي ـ على أطفالٍ بعمر سبع سنوات ، أو أقل، نظَرًا لثوابتَ كثيرةٍ ، منها : طول فترة القداس ( حسبته ساعتين) ، وعدم قدرة الطفل على التركيز، وعدم تواصله مع العبادة بسبب صعوبةِ فهمه وإدراكه ما يجري، ولاسيما لحاجته الى الحركة. كل هذه الأمور توقفُ نشاطه الشخصي ولا يلتَّذُ بها لأنَّها تُفقِدُه مُتعَةَ الحضور، فلا تجذبه ولا تشَّجعُه على حضور القداس، بل قد تدفعه بالعكس الى رفض العودة الى الكنيسة. وتواصلُ الأخت حنان بحثَها عن رؤية واضحة للموضوع فتتحدَّث عن أنَّ هدفَ حضورِ الأطفالِ القداسَ هو ربطهم بالله. وهذا يتحَّقق إذا إفتهم الطفلُ القداسَ وشُّدَ اليه فتفاعلَ معه. وفي عدم ذلك قد يتمَرَّدُ. فسألت :

ما الأفضل : إلزام الطفل بالتقَّيد بمتطلبات القداس وعدم فهمه ، أم تنظيمُ قداس يتناسبُ مع عمر الأطفال وخصوصيتهم ؟

قـدرة الطفل على التركـيز !

ليس خافيًا على أحد أن الطفل لا يقدر أن يستوعبَ مثلَ البالغ، لأنه مازال في طور النمو، و لم تبلغ قواه الذهنية كمالها حتى يُدركَ ” كلَّ” ما يجري في القداس. لكن القداس لا يشملُ فقط فقراتٍ فكرية، روحية ولاهوتية، بل يحوي أيضا فقرات عاطفية ومواقف حسَّية يتفاعلُ الطفلُ معها حتى أحيانًا أفضل من البالغين. وكذلك ليس لكل البالغين الذين يشتركون في القداس نفس الأهتمام ونفس الأدراك والتفاعل. بما معناه لا يتّمُ إستيعابُ جوهر القداس ولا تُجنى كلُّ ثمارِه أثناءَ القداس، بل قبله وبعدَه. قبله : يتعَّلمُ المؤمنُ ما هو القداس ، ما هي فقراتُه ورموزه، وكيفَ يمكن الأستفادة منه في محاولةٍ للأصغاء والمتابعة والتأمل في كل فقرة للتفاعل معها، ولا سيما الأمتثال للتعليمات من قيام وجلوس وترتيل وتلاوة. وبآختصار ليس الإشتراك في القداس مشاهدة فقط كما لو كنا في صالة سينما نعاينُ فلمًا. هو تعليمٌ و صلاةٌ ومحّبة. بعده : ما شاهدناه بآنتباه وسمعناه بآهتمام وفعلناه بدِقَّة نعود فنجتَرُّه ، نتأمل فيه، ونهضمُه ليتحَّولَ جزءًا يبني حياتنا. لن يقدرَ الطفلُ أن يتابعَ كلَّ شيء ويُحَّللَ كلَّ شيء ويتجاوبَ مع كل شيء. إنما سيتعَّلق فكرُه و قلبُه بفقرة أوجزءٍ أثَّرَ فيهِ وجلبَ إنتباهَه. وهذا جَيِّدٌ ويكفيه.

وهنا يبادرُ الذهنَ سؤالٌ : هل البالغون كلهم، من الحاضرين، يتابعون القداس بهذا الشكل و يبني حياتَهم كما هو مطلوبٌ؟. لا أظُّن. ربما 5% منهم فقط يغوصُ في عمق جوهر القداس و يتابعُ كلَّ أجزائِه بحرصٍ وآهتمام. مع ذلك يجدون متعتهم في الحضور ويواظبون على ذلك. هكذا الأطفال قد لا يؤثر القداس إيجابيا في أغلبهم. وقد يؤثر سلبيًا في بعضهم. هذه عمليةٌ وظاهرة لا يمكن لا تفاديها ولا القضاءُ عليها. تُعطي الكنيسة الفرصة وتساعد قدر الأمكان على أن تعُّمَ الفائدة وتسقي بالماءِ الروحي الحنطة والزؤان على السواء. هكذا فعل يسوع مع رسله وتلاميذه. عرفَ يسوع جيدا أن يهوذا لا يستوعبُ الروحية الجديدة التي يبَّشرُ بها، و أنَّه لن يُغَيرَ طبعه الطماع بالمال ومع ذلك لم يرفضه ولا تخَّلى عنه. قصدي أنَّ الكنيسة تقَدِّمُ الخدمة المشتركة للشعبِ المؤمن بشكل عام، وتتمنى أن يتفاعلَ المؤمنون مع جهدها ويبذلوا جهدَهم لتوعية الأجيال الناشئة وشرح أبعاد القداس لهم بلغتهم ومستواهم الأستيعابي وتبسيط مهمة متابعة القداس. تطلب من الوالدين أنْ يُبَسِّطوا لأطفالهم سلوكَ دروب الحياة الروحية تمامًا كما يُسَّهلون لهم مسالكَ الحياةِ الزمنية. واحدة مثل القديسة تريزيا للطفل يسوع كانت تتعامل مع الله منذ طفولتها وتشترك في القداس برغبة ، لا لأنها كانت تفهم كلَّ ما يجري فيه وتحبه ، بل لأنَّ والديها زرعا في قلبها معرفة الله وحُبَّهُ وأدخلاها في معرفة القداس كوسيلةٍ للألتقاءِ به كما كان بالنسبة اليهما تماما.

قــداسٌ للأطفــال !

رغبةٌ راودتْ فكر الكثيرين من المُرَّبين، وأمنية حلم بها كهنةٌ عديدون وقبلها أساقفة لكنها لمْ تتحَّقق لأسبابٍ ومحاذيرَ إيمانية وعملية. وأخطر المحاذير هو إذا تعَوَّدَ الطفلُ على قداس الأطفال المُبَّسَط يصعبُ عليه بعده أن يتقَّبلَ قداس البالغين. لأنَّ العلمَ في الصغر كالنقش على الحجر!. و الخبرة عَلَّمت أن الصغار في العمر يأخذون الأمور جوهريا دفعةً واحدة و يتقولبون عليها و لا يقبلون تغييرَها بسهولة. بينما ما يأخذونه جماعيًا ومع أهلهم معًا يقومُ على أساسٍ متين ، ويتطور إدراكُه قليلا فقليلا مع نُضوجهم الفكري. لقد إنطبعت الصورة الأصلية في كيانهم ثم يستجلون تفاصيل الصورة فيكتشفون ميزاتها وغناها فتكتملَ عندهم معرفة حقيقية للقداس وتسهلُ متابعته بشكل بَنَّاء.

قامت محاولات وتقوم من حين لآخر لإقامة القداس للأطفال دون تغييرهيكلية القداس وإنما إشراك الأطفال في خدمة القداس وإعطاءِ الدورَ كلَّه لهم من قراءَةٍ وتلاوةٍ وترتيل. وبدا أنَّ ذلك لم يكن عاطلاً. كما جرت أشكالُ أخرى من المشاركات : عزلُ الأطفال معًا أثناءَ القسم التعليمي من القداس وإشراكهم مع الجماعة في القسم الذبيحي مع الحفاظ عليم معا وتكليفهم ببعض الأدوار لاسيما الترتيلية. إنما يتطلب هذا جهدا إضافيا وكادرا خاصّا ولاسيما مكاناً معزولا بجانب الكنيسة لتمكين الخدمة. تَسْهُلُ كذا خدمة في الكنيسة عندما يكون لها غرف وقاعات جانبية ملاصقة لها.

في كلِّ الأحوال دور العائلة رئيسيٌّ في تهيئة الأطفال لكل أنواع المشاركة في القداس لأنهم المُعَّلمُون الأولون للحياة في كل أبعادِها. على الطفلِ أن يتعَّلم من والديه بأنَّ القداس مهِّمٌ مثل المدرسةِ والنزهةِ والترفيه. الحياة وحدة متكاملة تتبعُ نظام الله مُوجِدِ كل خير. فالأيمان ليس خارج الحياة اليومية. الله يعتني بنا لأنه يُحبُنا. ويلزم زرع محبة الله في قلبهم بعد أن تُكشَفَ لهم عظمة محبة الله لهم. هذا الله مات من أجلهم. هذا الله غلبَ الشرَ وعالجَ أمراضَ الناس. و هذا الله تكلمَّ لهم. هذا الله ضمن لهم والدين و وَفَّرَ لهم كل مستلزمات الحياة. هذا الله يلتقون به ويسمعون كلامه في الكنيسة من خلال القداس.

إلزامُ الطفل على شيءٍ لا يفهمُه ويرفُضُه ليس هَيِّنًا تحت ظلِّ بعض الأنظمة الأوربية. إنما ترغيبُه وإعطاءُ الوالدين المثالَ في ذلك بعفويةٍ وطيبٍ وعزمٍ وقناعةٍ تفقأُ العين يُشَّجع الطفلَ على الأقتداءِ بهم. خاصّة إذا فسَّر له الوالدان بعدَه أبعادَ ما جرى وما مَيَّزَ ذلك الأحد أو العيد. متابعة الوالدين ومثالُهم أكثرُ أهميةً وقوّةً حتى من تنظيم قداس خاص على مستواهم.

القس بـول ربــان