تهاني عيد الميلاد

إلى الأصدقاء الأعّزاء

العيد على الباب. في الخارج يلوح البردُ ويُهَّدد مع الظلام المُكْئِب والمُخيف. ومع ظلام الكون يتفاعل ظلام ظروف الحياة الأجتماعية من الخلافات بين الشعوب والصراعات الأقتصادية والسياسية، و تجتمعُ كلُّها على أهداب الوباء المُرعب كورونا المقيت.

وفي الداخل القلقُ والمرض والأسْرُ الذي يؤلمُ ويوجع لأنه يغلق الباب على راحة الحياة الأجتماعية ويحرم فرحَها وآنتعاشَها. يغلقُ الأبواب في وجه إلتئام الأُسَر، ويسُّدُّ الطريق الى الكنائس والمعابد ولقاء الأحبة والمتضامنين معًا في وجه الصعوبات لتذليلها، وفي وجه تحَّديات العالم ليُحَّولوها الى تعاون وتقاسم المصير. فالناس تتباعد وتختفي عن بعضها بينما كان حتى الغرباءُ يَسْتلِذّون لقاءَ العيد ويشعرون بالإخاءِ والراحةِ والهناء.

في هذا الوضع هناك من يقف على الباب. قادمًا من بعيد. مُتخَّليًا عن وضعه السعيد المجيد. يدفعه حُبُّه العظيم لا توقِفُه لا قوَّةٌ ولا وباء. آتٍ ليشارك مُعاناة الناس. آتٍ ليُدخلَ الحُبَّ و الفرح الى القلوب. آتٍ ليُوَّفرَ السكينة للروح. هو المسيح أتٍ ليُحِّلَ السلام والرجاء عوض الإضطراب، و دواءًا لكل داء, لا يفتحُ عُنوَةً أبوابَ الفكر والقلبِ والروح. بل يعرضُ حُبَّه  وخِبرتَه لمعالجة أمراض البشرية. إنَّه آتٍ ليرفعَ الحسد والكُرهَ والمنافسة والأنانية من قلب الأنسان ليزرع عوَضَها المحبة والعطف والتعاون والإنفتاح. لا يريدُ منا مغارات وأشجارًا وكليجة بقدر ما يطلبُ منا أن نُصغيَ إليه، نثقَ به، نقبلَ عرضَه، ولاسيما نتعَّلمَ منه أن نفرح مثله كما فرح في المذود ، ونقتنع مثله كما إقتنع بالأقماط ، فنهتَمَّ به وبالآخرين كالرعاة ، خاصَّةً بالأضعفَ والأحوج، حتى لو كنا ضعفاءَ ومحتاجين. لأنَّ الحياةَ هي إنفتاحٌ على الآخر. وبدون الآخر لا وجود للحياة.

هذا هو عيد الميلاد. أن نرفعَ المجدَ لله مع الملائكة لأنه يُحِّبُنا ويهتَمُّ بنا. ونشكرَه لأنه فتح عيوننا على طريق السلام والوئام بالإنفتاح على الآخر. ونسلك مثال المسيح بثقة ورجاء أنْ يتحَقَّقَ حلمُ السعادةِ والراحة والهناء لجميع الناس.

عيدُكم، عيدُنا جميعًا، مُبارَك. الرَبُّ يحُّلُ في قلوبنا ويُنيرُ دربَنا ويقود مسيرتنا. يحمينا ويسندُ جهادنا ضد روح الأنانية والتقوقع على الذات. وسنة جديدة مبارَكة تتعاقبُ أزمنَتُها حسب مشيئة الله لخير البشرية جمعاء.

يا يسوع ، طفلَ المغارة ، إملأ قلوبَنا من هدوئك وراحتِك.

يا يسوع ، ملكَ الكون ، إملأ حياتنا من تواضعك ومن ثقتك بالحقيقة.

يا يسوع ، رفيقَ دربنا في الحياة ، لا تُهمِلنا.

يا يسوع ، شمسَ الحق والحب ، قُدْنا في دروبِك.

يا يسوع ، إبنَ الآب الأزلي ، قَوِّنا في طاعتنا لمشيئتك.

يا يسوع ، شافيَ كلِّ مرض ، إشفِ أمراضَنا الروحية والجسدية.

كلَّ عام ونُعَّيد جميعُنا معًا بالفرح والمحبة والسعادة

 القس بـول ربــان