تغيير” النصارى” بـ” الغيارى” !

برز سجسٌ وقلق في الآونة الأخيرة بين المؤمنين ويبدو أنْ أثاره فعلُ المذيع متي شمعون في ترتيلة السعانين ” شعبُ المسيح في هذا اليوم” فغَيَّر في عبارة” قوموا جميع النصارى ” وقال:” قوموا جميع الغيارى “. عرفت بذلك عن طريق الفيس بوك ممن مدحوه و” حّيُّوهُ على إبداعِه”. إستنكرتُ الفعل والمدح للذين أعلموني بالخبر وبيت لهم بآختصار أولا أن لا حقَّ لأيٍّ كان من خارج الكنيسة الكلدانية أن يتلاعب بنصوص طقوسِها، وثانيًا أن كلمة ” النصارى” لا تُهيننا لأننا نتبع يسوع الناصري، ولسنا نصارى ورقة بن نوفل الهراطقة. و لرئاسة الكنيسة الكلدانية وحدها الحَّق في تغيير نصوص طقوسِها، وتقدر عليه إذا رأته ضروريًا ونافعًا. لم يرق ردَّي للأصدقاء بل هنَّأوا المذيع. وأرسلو لي مقطع فيديو لشيخ يُفَّسر آية قرآنية ويُطبقها على المسيحيين عامة فيقول ” أننا قد كفرنا لأننا عرفنا الحَّق. فنحن المغضوب عليهم والضالين “، نحن كفرة. ثم أخبروني أمس بالبيان البطريركي لأَّطلع عليه، فكتبتُ لهم ” نِعِمَّ ما فعل. وكان يجب أن يُفعَلَ قبل 60 سنة!.   

كان هذا بآختصار. فكتبت لهم مُطَّولا عن رأيي وأسبابه. وأرسلته لهم صباح الخميس 16 من الشهر، أي قبل يومين. وفي صباح الجمعة أمس عرفت ببيان غبطة البطريرك حول الموضوع أننا لسنا نحن نصارى قريش الكفرة ولا ” مسيح “، بل نحن مسيحيين. وخلال النهار عرفت أن الخير حَيَّر الكثيرين فصاروا يتساءلون ” هل نحن نصارى أم مسيحيين” وكأنهما دينان متناقضان. فما سبقَ وكتبته لبعض الأخوة أنشرُه لعلَّ فيه نفعًا.

2020.04.16

أهلا وسهلا بالأخوة الكرام. أولا أعتذر عن عدم متابعة المناقشة بسبب إنشغالي من جهة، ومن أخرى عدم تمَّكني من تقنيات الفيس بوك واليوتوب و.. بعد ساعات من البحث عن الفيديو المرسل من قبل الأخ رمزي إستطعت أن أفتح الموقع وبالكاد إنتهيت من الأصغاء الى الفيديو حتى إختفى من جديد. إن شاءَ الله كل مانع خير.

أبدأ أولا ببعض الأسئلة إذا تذكرتها كلها.

الكنيسة لا ترضى بالذُّل والإهانة لأبنائها بل رِفعة الرأس والحكمة ولاسيما أن يكون المسيح حاضِرًا دومًا في فكرهم وقلبهم فمنه يستمدّون النور لمعرفة الحَّق ومنه يتعلمون كيف يسلكون طريق المحبة فيضمنون الراحةَ لأنفسهم مدى الحياة. لقد علمنا الخدمة في التواضع لنصل الى المجد (يو13: 15؛ 1بط2: 21).

موضوع النصارى قد كتبت عنه سنة 2014 في قمة الأزمة ونشرته في الفيس بوك. وأما لماذا صَرَّح البطريرك مار لويس أننا لسنا نصارى بل مسيحيين. كلنا جاوبنا نفس الشيء. وكل جواب غيره للبطريرك كان يكون خطأً. وأنا لم أرد مرة على أني نصراني بل مسيحي. لأنَّ طرح الموضوع يومَه كان يُلَّوح الى الكفرة النصارى أتباع إبيون وآريوس الذين حرمت الكنيسة سنة 325م تعليمهم. ونحن لسنا منهم. وعلى العالم أن يعرفَ ذلك. و لا يزال الموضوع يعود كل فترة على الساحة لخلق البلبلة بهدف سياسي: تحريضٌ أوَّلاً  للمسلمين على كره المسيحيين وإعتبارهم كفرة لتحليل ممتلكاتهم، فلا فقط لا يشترونها بل يغتنمونها بآسم حرب مقدَّسة. ومن جهة ثانية ليؤدي هذا الأمر إلى ترك المسيحيين البلاد ، أو إنتحالهم الأسلام. وكل ذلك تنفيذا للمخطط الجهنمّي الذي تريده السياسة الدولية تثبيتًا لدولة اليهود في فلسطين. المخطط من خمسينات القرن الماضي. مُنـذُ ثورة 14 تموز 1958م لما زار عبد السلام الموصل ثم كركوك لَوَّح إليه  بالحرف :” لن يبقى بعد آلآن عندنا لا بيتر ولا جورج”. وفي تسعينات القرن الماضي ظهر أحمد ديدات وأقام في أمريكا ندوات حضرها آلاف الناس يُهَّييءُ البيئة للمشروع. وتناقش علنا مع كاهن لوثري لكنه خسر الرهان وآضطر أن يعترف بغلطه ودفع لمحاوره “100 دولار”؟؟. و حتى في الفيديو وتفسيره المقصود مَن :” غير المغضوب عليهم ولا الضالين” ليس إلا جزءًا من سلسلة الوسائل، تحريفًا للواقع، ولِـبَّثِ التفرقة وإثارة الحقد والخوف ومتابعة تنفيذ المخطط ، حاليًا في العراق ثم لبنان ثم سوريا على المسيحيين. إنَّه دجلٌ، تحريفٌ للحَّق، وتمثيلٌ وترويع. إنهّا سياسة التضليل والترهيب :” إِكْذِبْ. ثمَّ إِكْذِبْ. ثمَّ إِكْذِبْ”. والويل لمن يقع في شباكها.

والرَّد عليها ؟

أنا أرى أنَّ المسيحيين لا يجوز لهم أن ينفعلوا ويتصَّرفوا بعاطفةٍ وخوف. ولآ نُصَّدق كلَّ ما يقولونه. لِـنُمَّيزْ الغثَّ من السمين. لنا إيماننا وتأريخنا ومنطقنا في الدفاع عن حقوقنا وحياتنا . فأجندة المنفذين للمخطط أن يخلطوا ويتهموا ويُرعبوا ويساعدوا على الهروب. إذا أردنا أن نصمد وننال حَقَّنا علينا أن نعرف فنميز بين التأريخ وبين الدعاية المُشَّوهة له.

أولا بخصوص أول كتابتي ” لا تحية ولا إبداع “، الغرض واضح ومشروح لا نحتاج الى من يأتي ويتهمنا بالخطأ. لاسيما ولا خطأ هناك. ونحن قادرون أن ندَّبر ونُرَّتبَ بيتنا. وأما عن التمييز بين ” نصارى” ورقة بن نوفل ، أو أبيون وآريوس، وبين ” نصارى” كنيسة المشرق فالفرق شاسعٌ جدًّا. إخوتي أولئك النصارى الهراطقة هم كفرة لأنهم لم يعترفوا بلاهوت المسيح فآضطروا إلى ترك بيزنطية وحكمها لئلا يُؤذوا. كان ذلك بعد مجمع نيقية سنة 325م. قبل هذا التأريخ لم يتواجدوا كطائفة منظمة. وكان في الجزيرة يهودٌ، ربَّما هم الذين سهلوا لهم الأمر، إن لم يكونوا هم وراء تلك التعاليم لمقاومة إنتشار المسيحية. ولكن الجزيرة عرفت مسيحيين غيرهم لا يتبعونهم أتباع كنيسة المشرق. كانت عدة قبائل عربية : طَّي، كِندة، شيبان مع مدينة نجران قد إهتدوا الى المسيحية ويتبعون تعاليم كنيسة المشرق وإدارتها. ليس كلُّ المُؤَّرخين يلتفتون أو يهتمون بذلك. وقسمٌ منهم” لغايةٍ في نفسِهم “. سنة 903م أرسل البطريرك يوحنا الأعرج جوابًا، وبالعربية، لرسالة أتته من كاهن نجران يسأله عن بعض الأمور الدينية. ولو إطلعتم على مؤلفات مؤَّرخي كنيستنا خاصّةً كتاب ” المجدل” في أخبار بطاركةِ كنيستنا من البداية وحتى القرن الثالث عشر، وبنُسختيه لماري بن سليمان وعمرو بنُ متى، نادِرًا ما تقرأ كلمة ” مسيحيين”. الكلام دوما عن النصارى، مع أنَ نصارى الكفرة كانوا قد دخلوا الأسلام فآنقرضوا. يتحَدَّث عن أسقف النصارى أو بطريرك النصارى. و الملفان أبو الفرج القس عبدلله ابن الطَّيب (+1043م) من أشهر علماء كنيسة المشرق، وقد دَبَّر الكرسي البطريركي عند شغوره مرَّتين في السنين 1016-1020 و1025-1028م ، ولم يكن يُسمح بنشر كتاب ذي طابع ديني إذا لم يحمل موافقته الخطية ، ألَّفَ كتابَه الشهير عن القانون وقوانين الكنيسة وسماه ” فُقهَ النصرانية “. وألَّف المؤَّرخ رفائيل بابو اسحق كتابين عن الكلدان سمَّى الأول” تأريخ نصارى العراق” بغداد 1948، والثاني” أحوال نصارى بغداد في عهد الخلافة العبّاسية”، بغداد 1960. ولا زالت محلة “عقد النصارى” قائمة الى اليوم تشهد على إعتراف الأسلام بالمسيحية كديانةٍ سماوية .فليس مسيحيو العراق كفرة مثل نصارى ورقة بن نوفل في قريش. ولن يستطيع داعش أو غيره، رغم دعاياتهم الفاسدة المغرية، أن يجعل مسيحيي الشرق كفرة. كما لم يستنكف المسيحيون لقب  النصارى ولا عوملوا ككفرة. وكانت لأولئك النصارى علاقة طيبة و مَوزونة مع الخلفاء ، رغم ظهور اضطرابات وقلاقل ، من حين لآخر ، ومِحَنٍ وأذية للمسيحين بحُجَّةٍ أو بأُخرى تقريبًا طوال تواجد الرئاسة في بغداد. منها فَرضُ ” الغِيار”.

والغِيَار من كلمة غايَرَ غِيَارًا وتعني خالفَ ، عارَضَ.  هو لبسً ملابس مُعَّينة ملوَّنة تختلفُ عما يستعمِلُهُ عامة الناس كالمسلمين. أمر بعضُ الخلفاء بتغيير المسيحيين لِبسَهم ولـِبْسَ غِيار أزرق للنصارى وغيار أسود لليهود، مع رُقَع من الأمام والخلف كأنها درعٌ أو منشفة ، إهانةً لهم (المجدل، عمرو ص71 و 114-116؛ ماري ص79).

شعبُ المسيح !

أمَّا ترتيلة السعانين فهي من تأليف أبناء كنيسة المشرق وليس من نصارى قريش الكفرة. و المسيحية إفتخرت بها، ومحتواها إيمانٌ مستقيم. سبق وكنا نستعمل في ترتيلنا كلمات مثل ” صهيون” وأورشليم، و”إسرائيل” كما جاءت في الكتاب المقدس. فأفتى أيضًا خوَّافون جهلة بتغييرها فلا نحسب عملاء لهذا وذاك. وماذا حصلنا غير نزوح سنة 2014؟؟. والآن يفتون بتغيير” نصارى” وغدا ” غيارى” وبعده ” ابن الله ” ونقول ” مختار الله” أو رسول الله؟؟. هل هذا صحيح أن يحفر كلُّ من شاءَ تحت أرجلنا حتى نسقط في الأخير عريانين من تراثنا وإيماننا، ونسرع نحو الهاوية ؟؟. كتبوا حرف النون ” ن ” على بيوتنا حتى يستولوا عليها بعد النزوح ونحن تصَّورنا انهم يُهينوننا… وحتى لو قصدوا إهانتنا ؟ أمَا أهانوا يسوع ؟. و قد آنتهى الآن كلُّ شيء. والآن يُطلعون علينا في اليوتوب والفيس بوك دجلاً جديدًا وتزويرًا لترويعنا.

إنَّ القرآن نفسَه ميَّز بين الكفرة والنصارى، وقال:” أشَّدُ الناسِ عداوة لكم اليهود و{ الكفرة } المُشركون . و أشَّدُ موَّدةً اليكم النصارى وفيهم قسسٌ ورهبان لا يستكبرون”. هذا وثيقة. أمَّا الفيديو؟. أين هم نصارى قريش الكفرة ؟. ومن أين وُجد بينهم رهبانٌ ؟. إذا كان الأسلام يقول بأنَّ نصارى اليوم ليسوا كفرة فمن يُكَّفرُهم ؟ ولماذا ؟. علينا أن نوعى هذا الأمر، ولا يُرَّوعنا، بل نكشف للعالم زيفَه ودجلَه. حقُّنا لا نسترِّدُه بغسل طقوسِنا و إيماننا، ولا بالتعَّنت والتبختر كأننا طاووس الجنّة. كيف إستعاد اليهود أرضَهم؟. بالعقل واللطفِ والأِسترضاء لا بإلصياح ولا بالبكاء. ومثلهم الأكراد. يقول المثل:” حبلُ الكذب قصيرٌ”؛ و” من صبَر ظفر” . وقال الأنجيل ” من يثبُت، يصمد الى النهاية، يخلص”. يصمد على ماذا؟. على الحق، على التراث، على الأيمان و لا يخافُ من الذي يقتلُ الجسد (متى10: 28)؟. بل يكشف الحقائق بهدوء و بشجاعة. ويشُّع بسلوكِه المثالي صورة المسيح، الذي منه نتعَّلم كيف نتصَّرف ، وأن نكون ” شُهودًا له ” (أع1: 8).