الُحـرية والـوصِّــية !

أهلا وسهلا بالشماس هيثم فريتي

شاركَ الشماس هيثم زملاءَ العمل في مناقشةٍ موضوعُها : إنْ كان الله قد خلقنا أحرارًا فلماذا يُقَّيدُنا فيُلزمُنا بعبادتِه؟. لماذا ألزمَنا بفريضةِ تقديس يومٍ له، الأحد؟. لماذا يتدخلُ في حياتنا؟. قال أحدُهم : كان اللهُ موجودًا أو غير موجودٍ ،” أنا أعيش” !. لماذا يتدَّخل في شؤوني ؟.

في البدءِ تركَ الله الأنسان حُرًّا في آختيارِه ! سيراخ 15: 14

منذ أن خلقَ اللهُ الأنسان، على صورتِه(تك1: 27)، حُرًّا وأقامه وكيلا عنه في السيادة على الكون (تك1: 28)، لم يفرُضْ عليه شيئًا ولا أمَرَه ضدَّ رغبتِه. حتى لمَّا طلب بنو اسرائيل إقامة ملكٍ رافضين سلطة الله المباشرة عن طريق الكهنة (1صم8: 7-8) لَبَّى الله طلبهم. و حتى يسوع خَيَّرَ رسلَه بين البقاء معه أو تركه لما إستصعبوا خطابه حول خبز الحياة الذي هو جسده وتراجُعِ الكثيرين من تلاميذه عنه (يو6: 66-69).

يوم خُلِقَ الأنسانُ لم يكنْ يعرفُ أن يُمَيّزَ بين الخيرِ والشر. فأرشدَه الله وحَذَّرَه من شجرة ” المعرفة”. لم يمنعه من أكل ثمرِها بل نبَّهَه قائلا: ” يومَ تأكلُ منها موتًا تموت” (تك2: 17). الفرقُ كبيرُ بين فرضِ قانون وبين إعطاءِ إرشادٍ وتعليماتٍ توجيهية تساعد المرء ليتصَّرفَ بشكل يُجَنِّبُه من جهةٍ أذيَّةً ما ومن أخرى يُرَّيحُه.

قَـدِّسْ يوم الرَّب ! خر20: 8-11

حتى نفهم كلَّ أبعاد الوصية ، والوصيةُ ليست لآ أمرًا ولا تدخُلاً في حياة، نقرأها معا كما جاءَت على يد موسى ،” أُذكُرْ يومَ السبت { الراحة!} وكَرِّسْه لي. في ستة أيام تعمل..واليومُ السابع سبتٌ للرَّبِ إلهكَ. لا تقُمْ فيه بعملٍ ما، أنتَ وآبنُكَ وآبنتُك وعبدُك وجاريتُك وبهيمتُكَ ونزيلُكَ…الربُ في ستةِ أيام خلقَ السماوات والأرض والبحرَ وجميع ما فيها ، وفي اليوم السابع آستراح. ولذلك بارَكَ الربُ يوم السبت وكَرَّسَه له “(خر20: 8-11)؛ وشرحها بعَده موسى :” إحفظ يوم السبت .. ليسترحْ عبدُكَ وأمتُكَ مثلكَ. وآذكُرْ أنَّك كنتَ عبدًا في أرضِ مصرَ، فأخرَجَك الرَبُّ ألَهُكَ من هناك بيدٍ قديرة وذراعٍ ممدودة. وهو لذلكَ أمَرَكَ بأن تحفظَ يوم السبت” (تث5: 12-15).

1+ لم تأتِ وصية السبت منذ خلقةِ الأنسان ، حتى ولا عند إختيار الشعب في شخص ابراهيم، بل بعد سوءِ تصَّرفِ الأنسان، وعلى يد موسى الذي نظم الحياة الأجتماعية فزَوَّدَ الشعب بدستور يشرفُ على العدالة في العلاقات الأجتماعية والروحية بين الأنسان وخالقِه الله. إذن لم يعرف الأنسانُ شريعةَ السبت إلا لما ساءَ سلوكه الأجتماعي ولاسيما لمَّا إبتعدَ عن خالقِه وبدأ ينساه ويعبدُ الخلائق.

2+ السبت يعني الراحة. والفريضةُ ليست لتوفير راحةِ الله. بل لضمان راحةِ الأنسان لمَّا بدأ الأنسانُ يستغلُ نظيرَه ويستعبدُه بسبب جشعه في آقتناءِ الخيرات فأصبحَ يُشغلُ غيرَه لمصلحتِه بقساوةٍ و وحشية، عندئذ تدَخَّلَ الله فألهمَ موسى أنْ يسُّنَ شريعة “الراحة/السُبات”. نسيَ الشعبُ آلامَه ومعاناتِه ومضايقة المصريين لهم بل وصارَ يسلكُ نفسَ السبيل مُستَغِلاًّ غيرَه. وحتى لا يتمادى في شَرِّه، وحتى لا يُشَّوه صورة الخالق تدخلت وصية السبت لتُعينَ الأنسان على السًمُّو نحو الأقتداء بأعمال الله. ونية الله واضحة وصريحة حيثُ يقول لموسى :” قُل لجماعةِ بني إسرائيل كُلِّهم: كونوا قدّيسين لأني أنا الرَبُّ إلَهِكم قدوسٌ” (أح19: 2). و قد أكدَ يسوع على تلك الدعوة (متى5: 48). ونقلَ رسلُ يسوع هذه الرسالة الى شعب العهد الجديد ، بل الى كل إنسان على الأرض: ” إنَّ الله لم يدعنا الى النجاسة بل الى القداسة “(1 تس4: 7)؛ ويُؤّكد مار بولس أنَّ على المؤمن أن يقتديَ بالله خالقِه (أف5: 1).

3+ “أُذكر”. جاءَ السبتُ تذكيرًا للأنسان بأنه مخلوقٌ ، بأنه ليس أفضل من غيره، بألا يطلب المال والخيرات الأرضية أكثر من حاجتِه، ولاسيما ألا يسيءَ الى غيره بسبب جشعه. يذكرُ أيضا أنَّ الله هو في أصل حياة الأنسان ورفاهيتِه وحتى صحته فلا يتكل على نفسه أكثر مما هو مطلوبٌ منه. وكل هذا يتم إذا كان الأنسان أكثرَ قربًا من الله. ولن يكون قريبًا إذا آنشغلَ طوال الدهر بأمور الدنيا. يحتاجُ أن يرتاح فكريًا وجسدياً. يرتاح جسديا عند عدم العمل يومًا واحدًا في الأسبوع. ويرتاح فكريًا وروحيا عندما يقضي ذلك اليوم في الأتصال بالله بشكل روحي، بالصلاة وتقدمة قرابين، معترفًا بسيادة الله وبنظامه.

هل السبتُ تدَّخلٌ لله في شؤون الأنسان ؟

بل السبتُ فقرةٌ وبندٌ من بنودِ العهد بين الله والأنسان. لأنَّ الوصايا العشر هي ” العهد”. هكذا قال موسى:” الرَبُّ الهُنا قطع معنا عهدًا في حوريب. لا مع آبائنا قطع ذلك العهد بل معنا كلنا نحن الأحياء.. وأنا قائمٌ بين الرب وبينكم لأُبَلِغَكم كلامَه.. فقال: إحفظ يوم السبت.. “(تث5: 2-12). ويشرح موسى للشعب ما يعمله الله للشعب مقابل حفظِه بنود العهد، يقول: “إذا سمعتَ هذه الأحكام وحفظتَها وعملتَ بها فجزاؤُك أن يحفظ الربُّ إلهُك عهدَه لكَ و رحمتَه التي أقسم عليها لآبائك. فيُحبُّك ويباركُك ويُكثرُك..وتكون مباركًا فوقَ جميع الشعوب .. ويرُّدُ عنك جميعَ الأمراض..”(تث7: 12-16).

“إذا سمعتَ هذه الأحكام وحفظتَها وعملتَ بها فجزاؤُك أن يحفظ الربُّ إلهُك عهدَه لكَ و رحمتَه التي أقسم عليها لآبائك. فيُحبُّك ويباركُك ويُكثرُك..وتكون مباركًا فوقَ جميع الشعوب .. ويرُّدُ عنك جميعَ الأمراض..”(تث7: 12-16).

بوجود الله أو بعدم وجوده أنا أعيش !

هذا كلامُ جاهل لا حكيم. هل أنا موجودٌ بدون خالق؟. إذا لم يوجد الله لا توجد فريضة. أما إذا وُجدَ وكان هو الذي أوجدني ويريدُ لي سلوكًا مُعَّينًا يضمن لي من خلالِه الحياة الأبدية في راحتِه فكيف أقدر أن أستغنيَ عن إرشادهِ وتوجيهه؟. كيفَ أسوقُ السيارة؟ هل كما يحلو لي أم كما صَمَّمَها المهندس صانعها؟. هل أطيربالسيارة فوق السطوح؟ أم هل تطيرالطائرة بين العمارات والأشجار؟. هل آكلُ بفمي أم بأُذنيَّ؟. هل أسيرُ على رجلَيَّ أم على يَديَّ؟. حتى تتحَّققَ الحياةُ بشكل صحيحٍ ومريح يجب أن نتقَّيدَ بنظام معَّين. والنظام لا يجعلنا آلاتٍ فنُسَّيَر. بل نبقى أحرارًا قادرين على حتى أن نخالفَ. إنما سندفعَ ثمن المخالفة. هكذا فريضةُ السبت لا تُصَّيرُنا آلاتٍ مُسَّيِرة. إنها دعوةٌ وإرشادٌ يساعدنا على أن نعيشَ حياتنا في علاقةٍ صحيحة مع خالقِنا ومع إخوتنا البشر لنضمن الراحةَ والسعادة الأبدية.

السبت أم الأحـد ؟

دار الكلام على السبت لأنَّ الوصية أتت هكذا، تخُصُّ الراحةَ يومًا واحدًا من كل سبعةِ أيام. والأحد أيضًا هو يوم الراحة ، فيه سَبَتَ يسوع وآرتاحَ عندما قام من القبر مُحَّقِقًا الخلقةَ الجديدة للأنسان. إذا كان اليهودُ إرتاحوا في اليوم الأخير من الأسبوع بأمر موسى فبقيامة المسيح يومَ الأحد أصبحَ اليوم الأول من الأسبوع يوم راحة. في يوم أحدٍ، بعد قيامته، كسر يسوع الخبز مع تلميذي عماوس. فصار الرسل ، وربما بإيعاز من يسوع نفسِه ، يجمعون المؤمنين يوم الأحد ويكسرون الخبز في البيوت (أع 20: 7؛ 1كور16: 2). نُكَّرسُ ستة أيامٍ لأمور الحياة الزمنية ونُخَّصِصُ اليوم السابع لراحتنا بلقائنا مع الله وإخوتنا المؤمنين. وإذا لم نلتقِ معه من الآن على الأرض لن نعرفه ولن نضمن الراحة عنده مدى الأبدية !.

القس بـول ربــان