الله وبلايا الأنسان

أَهلا وسهلا بالأخت سهام السـندي. 

كتبت الأخت سهام مُعَبِّرَةً عن قلقها الذي يُشغِلُها بسبب ما يُصيبُ الأنسانَ من ضيقٍ وبلِّية. قالت :” إذا آبتُليَ الأنسانُ بعِدَّةِ مشاكلَ أو مصائبَ، أو تأتي كلُّها مرَّةً واحدة ، هل اللهُ عندَه حكمةً بها ؟. أو إنَّه يُجَّربُنا كما يقول الكثيرون؟. أو إِنَّه يُعاقِبُنا على شيءٍ قد فعلناه ، دون أن نشعُر”؟.  ثم سألت سؤالاً ثانيًا :” إذا كان شخصٌ مفصولاً عن زوجتِه بما يُقاربُ أكثر من سِتِّ سنوات، ولكن لم يحصَلْ بعدُ على الطلاق الرسمي، وأقام علاقةً مع شخصٍ آخر، فهل تجوز العلاقة ؟ أم تُعتَبَرُ زنًى “؟.

السؤال الثاني : العلاقة الجنسية !

لا تقوم العلاقة الجنسية بذاتها بل هي ثمرة المحبة المتبادلة بين ” زوجين “، وما دام بينهما الرباط الزوجي المقدس. تلك مشيئة الله ليكثروا (تك1: 28). فـ “من طلَّقَ شريكه وتزوج شريكا آخر فقد زنى” (مر 10: 11). وتتوقف العلاقةُ إذا إنحَّل ذلك الرباط. وينحَّلُ رسميًا و نهائيًا إذا أُعلن بُطلان زواجهما بشكل رسمي وعلني. أو إذا تمَّ الطلاق المدني الرسمي لغيرالمؤمنين. وكل علاقة خارج الإطار الزوجي الرسمي تُعتبَرُ خاطئة وتُدعى، قانونيًا ” زِنًى” إذا كان أحدُهما متزوجًا. أما لغير متزوج فتُسَّمى” فسقًا أو فجورًا “. ففي الحالة المذكورة تُعتبرُ العلاقةُ زنًى.

السؤال الأول : الله والمِحن !

يجب بدايةً التمييزُ بين مصائب الطبيعة كالمرض والوفاة والكوارث لا دخل للأنسان فيها، وبين المشاكل التي يخلُقها الناسُ ويُسَّببون الشدَّة والألم لبعضِهم. يسمَحُ بها الله لكنَّه لا يأمر بها. خلق الله كلَّ شيء و وضع له نظامًا لا يُخالفُه بنفسِه (مز148: 5). كلُّ مخالفةٍ له، أيُّ سوءٍ يقع، فهو بسبب الخطيئة. خطيئة الأنسان سَيِّدِ الخليقة غَوَّشت على كل شيء. لما قتل قايين أخاه هابيل تدَّنست الأرض ورفضت الشَّر وطالبت بالثأر بعقاب الشِّرير(تك4: 10-12). كما لا يتدخل الله في حرّية الأنسان ولا يمنعه عن الشَّر هكذا لا يتدَّخل لمنع نتائج الشَّر على الشَّرير. وكما خسر هابيل دون ذنبٍ منه، أو مات أطفال بيت لحم الأبرياء بسبب وحشيَّة هيرودس وإثمه، هكذا قد يتألَّم الكثيرون من غيرهم دون ذنبٍ منهم، لا لأنَّ الله يريدُ ذلك بل لأنَّه إحترَم نظامه ونفسَه بعدم منع الشرير إستعمال حُرِّيته التي كرَّمه بها للخيرلا للشر(1بط 2: 16). أمَّا الأشرار فـ” ينزلُ بهم العقابُ لأمرين: لأنَّهم إستهانوا بالله.. ولأنَّهم إِستَخَّفوا بالقداسة… إنَّه القضاءُ العادلُ الذي ينزلُ دائمًا بالأشرار” (حك14: 30-31). هذه حكمةُ الله تعالى. خاصَّةً وأنَّه لا يُهمل المظلومين بل يُجازيهم بالراحة والمجد (لو16: 25). الخطيئة تعاقبُ الأشرار واللهُ يجازي الأبرار.

الأيمان والألم !   

المؤمن بالمسيح يرى كلَّ شيء في منظارالله ويُحَّلل كلَّ أمرٍعلى ضوء تعليم يسوع. فالشِدَّةُ والضيقُ مِحَنٌ لتقوية الأيمان بالتحَّلي بالصبر(يع1: 1-2). كتب مار بولس لأهل فيلبي:” لقد أُنعمَ عليكم لا أن تؤمنوا فقط بل أن تتألموا من أجل المسيح”(في1: 29)، أي من أجل الحَّق.

كما كتب لأهل كولوسي أنه بجهاده وآلامه الجسدية يُكَّملُ آلام المسيح في سبيل الكنيسة (1: 24). أي الحياة الحَّقة لا تخلو من صعوبات وآلام التي يجب أن نُحَّولَها الى مصدر نعمة وقوَّة. فالخلاص أتَمَّه المسيح بآلام الصلب ، كما بلغ يوسفُ الصِدَّيقُ بألامِه ومصائبه الى عرش مصر وأنقذ شعبه من الهلاك. فالمؤمن بالمسيح يستقبلُ مصائبَه وآلامَه دون قلق من أجل التكفير عن خطايا البشرية ليكثر المخلَّصون إقتداءًا بالمسيح، وهو يقولُ معه دون ترَّدُد : ” لا تكن مشيئتي بل مشيئتُك ” (متى26: 39).

التجربة والمحنة !

كتبَ مار يعقوب :” هنيئًا لمن يصبرُ على المحنة.. فهو ينال إكليل الحياة. فإذا وقع أحدٌ في مِحنَةٍ فلا يَقُل ” هذه مِحنةٌ من الله ! “. لأنَّ اللهَ لا يمتحنُه الشَّرُ ولا يمتحنُ أحدًا بالشَّر. بل الشهوة تمتحنُ الأنسان حين تُغويه فتُغريه. والشهوةُ إذا حبِلَت ولدت الخطيئة. والخطيئةُ إذا نَضِجَتْ ولدت الموت ” (يع1: 12-15). التجربة تُؤلم وتحزن لكنها فرصَة يسمح بها الله ليتنَّقى الأيمانُ ويتصَّفى (1بط1: 6). كما أعطى الله فرصَةً لأبراهيم ليثبتَ في إيمانه (تك 22: 1-2) فيرجو ضِد كلِّ رجاء بالنسل (تك15: 2-6؛ رم4: 18). أكد مار بولس لأهل كورنثية بأنَّ” الله لا يُكَّلِفَكم من التجارب إلّا ما تقدرون عليه، بل يهبكم مع التجربةٍ وسيلةً النجاة منها والقدرةَ على آحتمالها ” (2كور10 :13). كما ذكَّرهم بأنَّ كنائس أُخرى إِغتنت بالتجارب التي أصابتهم إِذ تحَوَّل فقرهم الى سخاء (2كور8: 1-4).        

عقابٌ لشَّرٍ غير مقصود َ!

العقاب متعَّلقٌ بطبيعة الله ومشيئتِه، ورسالةُ المسيح دليلٌ عليها. هل عاقبَ اللهُ آدم على عدم طاعته؟. لا. بل هو آدم الذي إنسحب من فردوس الله لأنه خجل من فعلته ولم يعرف سبيل الأعتذار، فآختفى عن عين الله (تك3: 8). سمح الله بمحنة الأنسان ليحمي الفردوس من ألا يطالَها الدنس ولكي يتعَوَّد آدم على تواجد الشَّر فيتدرب على مقاومته بعد أن يكون قد إختبر سوءَه وشقاءَه. الى أن جاءَ المسيح فكشف للأنسان طريق التوبة والأنتصارعلى الشَّربشرب كأس الألم إنمَّا مع معرفة أنَّه يقود الى المجد والهناء. جاء المسيح ليُوَّفرَ للأنسان الحياة و حياة كريمة وسعيدة (يو10: 10). جاء لينقِذنا من مشاكلنا ومصائبنا. فأوصانا بآختيار الباب الضَيِّق والطريق المؤلم لتحقيقها (متى7: 13-14). وبحُّبه العظيم عاقب نفسَه فقبل الصلب حتى لا نعاقبَ نحن بالهلاك. فكيف يُعاقبُنا؟؟. إذا كان قد غفر لبطرس نُكرانَه له فهل يعاقبُ من ضعفَ في التجربة وسقط بدون أن ينتبه الى ذلك، أو أن يقصُدَه؟. ينتظرُ الله توبة من أخطأُوا ليغسِلهم بالدم الذي جرى من جنبه (حز18: 23).  

فالله إذًا لا يُجَّربُ ولا يعاقبُ بل له حكمةٌ في ما يحدث ويكشفُ لنا الوجه الأبيض لما يسمح به أن يُصيبَنا من مشاكل ومصائب التي تسَّببُ لنا الألم. قال مار بطرس : ” المسيحُ تألمَ من أجلكم. وجعل لكم من نفسِه قدوةً (يو13: 15) لتسيروا على خطاهُ… لمْ يرَدَّ على الشتيمةِ بمثلها. تألَّم وما هَدَّدَ أحدًا. بل أسلمَ أمرَه للدَّيان العادل. وهو الذي حملَ خطايانا في جسدِه على الخشبة حتى نموتَ عن الخطيئة فنحيا للحَّق ..” (1بط2: 21-24).