الله : بين قايين وهابيل

أهلا وسهلاً بآلأخ باسم أوشعنا

في قراءة آلأخ باسم للكتاب آلمقدس (تك4: 1-16) أقلقه خبر آلأخوين فكتب ما يلي :       ” أقلقني خبر قايين وهابيل. هابيل راعي غنم، و مهمته لا تتطلبُ آلكثير من آلجد وآلتعب. قايين فلاّحٌ يكُّدُ ويعمل في آلأرض. قدَّمَ هابيل حملاً صغيرًا مع شحمه، رضي آلربُّ عن تقدمته. ولم يَرْضّ عن تقدمة قايين. لا يذكر آلكتاب كيفَ عرفَ آلأخوان موقف آلله بآلنسبة إلى كلٍّ منهما “. ولمَّا إحتار في موقف آلله سألَ :” كيفَ أفهم هكذا نص؟. حاشى أن أقول بأنَّ الله عنصري… فكيفَ أفهم قصد آلكاتب في هكذا نص” ؟.

كيف نفهم آلكتاب ؟

نِعِّمَ أيها آلأخ آلكريم فقد تصَّرفتَ بشكل جَيِّد بطلبك آلمساعدة لفهم آلكتاب. لقد قال آلرب :  ” إسألوا تُعطوا “، لا فقط ألخبز ولكن آلفهم أيضًا. وآلكتاب آلمقدس مكتوب قبل آلقي سنة وأكثر، في بيئةٍ خاصَّة وعلى يد كُتَّابٍ خاضعين لظروف زمانهم وحياتهم وثقافتهم، عبَّروا عن مفهوم إيمانهم بإيجاز بمفرداتهم آللغوية آلقديمة. ولكي يفهمه آلقاريءُ جيِّدًا يحتاجُ إلى شرحٍ من قِبَلِ آلمتضلعين بدراسات آلكتاب، وتفسيرٍ يُرافقُ آلنصَّ ليُقَّربَ آلمعنى إلى ذهنه. ولهذا آلسبب وبهذا آلهدف لا تسمح آلكنيسة آلكاثوليكية أن يُطبعَ آلكتاب بدون شرح، ولو موجز، كي لا يتيه آلقاريء. كما تدعو وتشَّجع كلَّ آلمؤمنين إلى متابعة دورات ودراسات خاصة بآلكتاب آلمقدس ومطالعة آلمقالات وآلكراريس التي تحاول تقديم مثل تلك آلخدمات.

قايين وهابيل

ليست كلُّ آلنصوص صعبة. إنَّما يجب آلإنتباه وآلإهتمام بآلقراءة آلصحيحة للنص. لمْ أَرَ مبّرِرًا يا سائلي آلكريم أن تعكس آلمكتوب وتتجاهلَ آلمطلوب. قللتَ من شأن هابيل وآلكاتب رفعَه!. أولا، الراعي يعاني آلعزلة وخطورة آلتعرض لعِداءِ قطاع آلطرق وآلذئاب، إضافة إلى آلسعي في إيجاد مراعيَ خصيبة لقطيعه. حياته أبسط، صفاؤُه أسمى ولا يُسيءُ بل يخدم غيره. وثانيًا، قال عنه الكتاب كان يختار أسمن خروفٍ ومن آلأبكار أي الكباش. أي يُقَرِّبُ أجود ما لديه لمن وهبها له، معترفًا بجميل آلله وسيادته.

بينما قايين، وآسمه يعني” المرزوق” أي يتمتَّع بخيرات كثيرة جيَّدة، عاتبه آلله ولامه بسوء آلتصَّرف. اي لم يُقَّدر مكانة آلله، الذي رزقه كلَّ خيراته، بل قدَّم له، حيَّ آلله، ايَّ شيءٍ كان ، وعلى آلأكثر من آلدون الذي لم يكن قايين نفسه يرضى به، فيرميه في حصَّةِ آلله. كما سيفعل نسله آلكهنة فيقربون لله من البهائم ” الأعمى وآلأعرج وآلسقيم، أفلا يكون ذلك شَرًّا؟ وإن قربتموه لحاكمكم أ فيرضى عنكم أو يرفع شأنكم”؟(ميخا1: 8). ولم يُعاقبْ آللهُ قايين بل عَلَّمه فدعاه إلى تحسين سلوكه :” لو أحسنتَ عملاً رفعتُ شأنكَ “. لكن قايين لم يُبدِ إستعدادًا لسماع كلام آلله. فحَذَّره آلله من آلأستمرار في سوء آلتصَّرف و أنذره مغَّبة آلتمَرُّد ” وإذا لم تُحسن عملاً، فآلخطيئة رابضةٌ بألباب وهي تتلهَّفُ إليك “. يبدو أن آلشَّر قد تغلغل إلى فكر قايين وقاده في فعله. فكيف يرضى آلله بآلشر؟. وبعده فكر قايين بفرض رأيه ورغبته على آلله، وذلك بآلتخَّلصِ من غريمه ومنافسه، هابيل. لو لم يتصرف هابيل كما فعل لآضطر آلله الى قبول قربانه. وإذا قتله سيكون قايين وحده في آلساحة. وحيثُ غابَ آلبرُّ سادَ آلشر.

كيف عرف آلأخوان كلٌّ موقف آلآخر؟

ليس ذلك أمرًا صعبًا. بل هو بديهي في عائلة صغيرة، من أربعة أفراد، أن يعرفَ الجميعُ ما يجري لكل واحد. اليوم مليارات البشر يعرفون في نفس آليوم ما يجري في آلعالم. فهل كان صعبًا لقايين، وهو يبيتُ تحت سقفٍ واحد مع هابيل ويتقاسمان آلحلو وآلمر ان يعرف ما جرى له؟. لم يذكر الكاتب تفاصيل هامشية لا قيمة لمشروعه، الذي هو أن يكشفَ لمعاصريه ولمن سيأتون بعدهم بأنَّ الشرَّ، الذي إبتدأَ مع آلعائلة آلبشرية آلأولى، بدأ يتمَّدد و ينتشر ويتقوى مع نمو آلبشرية وتكاثرها.

بآلإمتداد : بآلنسبه إلى آلخطيئة آلأصلية تمتَّد عموديًا من آلوالدين إلى آلأبناء. لقد فسدت آلطبيعة آلبشرية لتمتد غريزيًا وتميل الى آلحواس. وهي آلخطيئة الرابضة بباب كل واحد لتُهلكه. الخطيئة التي أسقطت آدم تتربَّصُ بآبنه أيضًأ لتسقطه. وبآلتوَّسُع : فينتشر آلشَّرُ أُفقيًا بين آلأخوة آلبشر. فدخل آلطمع وآلحسد وآلبُغض حتى بلغ آلعنف وآلقتل.

بدأ آلصراع بين آلخير وألشر. هابيل يعترف بسيادة آلله ويقرب له أبكار ماشيته كما طلبته آلشريعة (خر13: 11-13؛ عد18: 15-17). وأما عن آلأرزاق فكان على قايين أن يقدم العشر من كل ما يملك. صحيح أنَّ شريعة آلأبكار وآلعشر هي من موسى لكن لا ننسى أن سفر آلتكوين كتب حوالي سنة 450 ق.م. في زمن يعيشُ فيه آلأنسان في آلحضر أو في آلبيداء، حالة البداوة أو آلأستقرار في آلمدن. فيرى آلكاتبُ في هابيل من يسلكون طريق آلبساطة و آلخير ونقاوة آلنفس وصفاء آلنية فيسمعون كلام آلله. بينما قايين آلمرزوق يشير ألى المتنعمين بخيرات آلله ويتنكرون له. وأكثر من ذلك يحاولون آلتخلص من آلأبرار و آلبر لئلا يبَّكت أحد ضميرهم. ففي قتل هابيل غدرًا طغيان آلشر ضد آلخير. وقد نجَّسَ حتى آلطبيعة التي تصرخ مطالبة بآلثار للدم آلبريء.

يبقى آلله عادلا، أبًا حتى لمن ينكره ولا يعترف لا بجميله ولا بسيادته، ولا يسمح بقتله. هكذا فعل مع قايين، كي تكون له فرصة آلتوبة وآلعودة إليه ليخلص. ويستمر يبارك من يسمع كلامه ويتمسك بشريعته ليكونوا أمثال هابيل نورًا للخطأة ونماذجَ يتعلم منها أمثال قايين.