اللغة السُريانية

أهلا وسهلا بالإخوة توما وجوليت

كتب الأخ توما يقول :” سؤالي عن اللغة السريانية، كيف صارت وطغت على الكلدانيين و الآشوريين ؟. وماذا كانت لغتُهم “؟. ونحن نعيشُ إحتفالات رأس السنة البابلية والآشورية، قامت الدنيا ولم تقعد في هذه الأيام. طلعت لُغتهم سريانية كتابية “.

اللغة السريانية ! 

تُنسَبُ اللغة إلى بني سام ابن نوح وتغَلَّبت عليها تسمية “الآرامية “، نسبةً الى آرام إبن سام الذي سكن نسلُه حوض بين النهرين. أنجب سام بنين هم :” عيلام وآشور وأرفكشاد ولود و آرام” (تك10: 22). وتكونت مع مرور الزمن شعوبٌ ودويلات، وتعَدَّدت معهم لهجاتٌ خاصّة. وآزدهرت لهجة عالي بين النهرين وسادت المنطقة التي ستُعرف بعدَه بـ “سوريا ” أو بلاد آرام. حتى دُعيَ بعضُ قادتها بـ” السوري” (لو4: 27)، رغم ان الشعب ظلَّ يُعرف بـ” الآرامي” (2مل5: 1-14). وقامت في المنقطة حضارةٌ عريقة ستُنعَتُ بعدَه بـ” الحضارة السُريانية “. لاسيما بعد أن إكتشفها الغربُ ونشرها بآسم ” Civilisation Syriaue; Syriac Civilization .” ومن ثمَّة طغت التسمية ” اللغة السُريانية “، عوض ” الآرامية “.

سنة 721ق.م إحتَلَّ الجيشُ الآثوري دولة السامرة وتبَنَّى الملك سرجون الثاني (721-705 ق.م) اللغة الآرامية ( السُريانية ) في لهجتها السُورية وجعلها اللغة الرسمية لدواوين الدولة وتعاملاتها التجارية والثقافية ، مُلغيًا بذلك اللغة المسمارية المستعملة في الشمال آثور وفي الجنوب كلدو، وهي لهجاتٌ من الآرامية. ولمَّا أرسلَ الملك سنحاريب (704-681 ق.م) جيشَه الى اليهودية طلب الوفد اليهودي المفاوض من قائد الجيش أن يكلِمهم بالآرامية لا باليهودية، إذ كان كلا الوفدان يتكلمان الآرامية (2مل18: 17-27).  

ولمَّا كانت الآرامية لغة الشعبِ والثقافة فقد إستعملها المُّؤَرخون في تأليف بعض أسفار الكتاب المقدَّس، تلك التي تُدعى بالقانونية الثانية ، وقد أهملها اليهود وأسقطوها من الكتاب ، سنة 90 ميلادية، بسبب ذلك وبسبب إستعمال المسيحيةِ الترجمةَ السبعينية اليونانية التي تحويها. فتكون الآرامية بحّق لغة الثقافة والأيمان /” الكتاب”.     

مع مرور الزمن وتغَيُّرات اللهجات محلِّيًا، وبعد إنقسام كنيسة المشرق، وتداخلات جهاتٍ أجنبية ، بنيةٍ إيمانية حسنة أو بقصد سياسي منفعي، أصبَح الآراميون الكاثوليك يُدعَون لهجتهم كلدانية والآراميون المدعوون بالنساطرة سمَّوا لهجتهم آثورية، والآراميون الغربيون حافظوا على التسمية السُريانية. الفرق باللفظ فقط وليس بقواعد اللغة وآدابها. تبقى لغة واحدة بلهجاتٍ متعدِّدة. العربية أيضًا لغة واحدة ولها مئات اللهجات. اللاتينية أيضا أصبحت عشراتٍ من اللغات. وستتبعها الأنجليزية وغيرُها من لغة. هذه هي مسيرة التأريخ والحياة. لأنَّ اللغة وسيلةٌ فقط للتفاهم والتواصل وليست خيرًا بذاتها أبديًا.

وإن كان للغَةِ ” السُريانية ” أيَّةُ صِلةٍ بالقومية فهي تجمعُ الناطقين بها تحت إسم ” آراميين ساميين”. وإِن ميَّزَتْ جغرافيًا بين شعبٍ وشعبٍ فذلك من ثمار التأريخ. وإن فتنت بين ناسٍ وناس فذلك من فذلكةِ الأحزابِ والسياسة، ومن مصالحها لا من خير الشعوب. فالمفروض في اللغة أن تُوَّحد لا أن تُفِّرق.

عيد رأس السنة !

لماذا أُقاموا الدنيا ولم يُقعِدوها؟. وما دخلُ اللغةِ بالأعياد؟. وما دخل الأحزابِ بالتأريخ ؟. اللغة قيمةٌ تراثية حيوية، والتأريخُ حدثٌ تراثي لا يقبلُ الجدل كان جيِّدًا أو سيِّئًا. والعيدُ فرصَة للفرح والراحة لا للشجار والألم. وإن كان رأسُ السنةِ عيدًا من عهد السومريين ، قبل البابليين الكلدان والآشوريين ، فلماذا يتناقرُ بينهم أحفادُهم وأحفادُ من تبَّى عيدَهم ؟. أما كان الأفضلُ أن يتفقوا ويتحابوا ويتاضمنوا ويتعاونوا ويتشاركوا بالإحتفالات؟. هل نسوا أنَّ سادة العالم يُفرقون ليسودوا فيمتَّصوا دماء حياة الشعوب؟. و أ لا يؤمنون بالله الذي دعا الى المحبّة ، وما أحلى أن يجتمع الإخوةُ معًا ؟. ولماذا يُقيمون الدنيا على الهباء ؟ ولماذا لا يُقعِدونها على الآخاِءِ والإباءِ والهناء ؟. وهل نسينا ما فعله الإستعمارُ بنا ؟ أم هل نعتبرُ أنفسَنا فوق النخل حتى نضحكَ على من تحت أغصانها يحتمي؟.