الـه العهد القديم والذبائح البشرية !

أهلا وسهلا بالأخ سامر سامي فرنسو.

قرأ الأخ سامر في وصايا الله أنه مكتوبٌ :” لا تقتل “. ومع ذلك قرأ نصوصا ظاهرها يدفع الى القتل وبالأخص تقديم ذبائح بشرية ، منها بنت يفتاح ، فســأل :

$ هل يُسَّرُ إله العهد القديم بالذبائح البشرية ؟

$ هل قُدّمَت فعلا بنت يفتاح محرقة ً ، أم ماذا حصلَ لها ؟

$ لماذا طلبت بنت يفتاح أن تبكيَ لشهرين عذريتَها ؟ ماذا يُقصَدُ بهذا ؟

خُذْ إسحق .. وأصعِدْهُ محـرقة ً! تك22: 2

إنَّ الكتابَ المقدس يذكر أمورا كثيرة من باب الواقع الموجود دون أن يؤَّيدَها بل يَدِينُها علنا أحيانا مثل خبر إبراهيم وذبيحة إسحق. إن كان الله يطلب ذبيحة إسحق فلماذا منعه منها وبدَّلها بذبيحة كبش وَّفره هو له؟. لماذا لا نرى في تلك الصورة أنَّ الله الذي لا يريد فناء الحياة التي أعطاها للأنسان، عَّلمَه أن يعترفَ بسيادته تعالى بتقريب ذبائح حيوانية لا بشرية ؟. لأنَّ الله هو هو من الأزل ويبقى الى الأبد واهب الحياة، و” لا تبَّدُلَ في مشيئته ولا شبه تغيير”(يع1: 17)، لأنه ” ليس بانسان فيكذب ولا كبني البشر فيندم. أ تراه يقول ولا يفعل؟ أو يتكلم ولا يتَّممُ كلامه ” ؟ (عدد23: 19). نصح قائيين ألا يقتل (تك4: 7)، وأمر موسى فأعلنها وصية خامسة ” لا تقتل” (خر20: 13). المشكلة في الأنسان الذي يستمرُ فيُحَّورُ وصية الله ويجدُ لها ألف مبَّرر فقط ” بسبب قساوةِ قلبِه ” (متى 19: 8).

وأحيانا أخرى يَعزو كاتب النص إلى الله، وكأنه أمرٌ منه، تعليمات وأوامر هي أصلا من القائد حتى ينال تأييد الشعب وخضوعهم له ، أو حتى يحمي قداسة الشعب بناءًا على طلب الله :”أنتم شعبٌ مقَّدَسٌ للرب إلهِكم(تث7: 6)، فكونوا قديسين، لأني أنا الرب الهكم قدوس” (أح19: 2)، وعدم إنجرافِه وراء ضلال الوثنيين وفسادهم :” حاذروا أن تقعوا في الشر بآتباع طرقهم ” (تث12: 30)، و ” ليكونوا محَّرمين عليكم، فلا تقطعوا معهم عهدًا، ولا تتحننوا عليهم، ولا .. لأنهم يرُّدون بنيكم عن إتّباع الرب “(تث&: 2-5).

أو تُعزى أيضا الى الله بعضُ المواقف من باب التربية والتعليم. فهدف الكتاب كشف إرادة الله وتهذيب الأنسان على الأخلاق الحميدة. فمثلا قالت الشريعة الموسوية ، وتدعي روحَها من الله، ” العين بالعين والسن بالسن ” (خر21: 24؛ متى5: 38). لم يكن هدفها بالتأكيد تحريض المؤمن على الأنتقام وزرع الحقد بل تقليل الشر من الثأر أضعافا غير محدودة عن إساءةٍ وظلم وقع له.

وعليه يجبُ بذل جهدٍ غير قليل لآستيعاب المعني الحقيقي الكامل لنصوص الكتاب. و قد إحتار فيه علماء الشريعة كثيرون. وهذا مار بولس المتبَّحر في علم الكتاب يقول:” ما أعمقَ غنى الله وحكمتَه وعِلمَه! وما أصعبَ إدراكَ أحكامِه وفهمَ طرُقِه ؟.

إذا نذرتم نذرًا للرب.. لا تؤَّخروا وفاءَه ! تث23: 22

أما عن يفتاح ونذره الغريب بتقديم “أول خارج من باب بيتِه للقائِه”، بعد إنتصارِه، محرقة للرب (قض11: 31)، فيبدو جليا و واضحًا أنه نَّفذ وعدَه ” فأتَّمَ بها النذرَ الذي نذره” (قض 11: 39). مع أنه كان بإمكانه ، حسب الشريعة، أن يفًكَ نذرَه. ذكرَ سفرالأحبار بخصوص ذلك فقال:” إذا نذر أحدٌ إنسانا للرب وأرادَ أن يفُّكَ نذرَه، فعلى حسب تقييمك له. فيكون تقييمك.. للأنثى من عمر خمسة سنين والى عشرين سنة عشرة مثاقيل فضة “(أح27: 2-5) . وهذا الفك يسري حتى على الحيوانات المنذورة للقرابين وعلى البيوت والحقول (أح 27: 9-25). وحتى لو كان المنذور من البشر يعني تكريسه لخدمة الله إلا إنه لا يبدو مُختلفًا عن البكرالذي هو حصة الله ويمكن إفتداؤُه(خر13: 12-13). لاسيما وعلمَّ اللهُ ابراهيم أن يُقَّربَ محرقًةً حيوانية عوض اسحق الذي طلبَه كمحرقة. يبدو أن البشر ينسون سريعا وصايا الله السلوكية ليتمسكوا بالقشور الأنسانية. إذا كان الكتابُ قد ألزم من نذر شيئًا بـ “ألا يرجع عنه بل يعملَ بكل ما نطقَ به”(عدد30: 4)، وذلك لأنَّ ” الرَّبَ الهَكم يُطالبُكم به “(تث23: 22)، لم يعن ِ بالتأكيد إحراق البشرأيضا وتحطيم الحياة ، والله قد نهى عن القتل أي أمرَ بآحترام الحياة وصيانتها.

ولكن من يعطي الشعبُ أن يفهمَ قصدَ الله وشريعته إذا كان بالكاد قد نجا من عبودية فرعون حتى طلب من هارون أن يصنع لهم ” آلهةً تسيرُ أمامهم “(خر32: 1)!. وقد لام يسوعُ بحق قادة اليهود قائلا :” إنكم تهملون وصية الله وتتمسَّكون بسُّنةِ البشر”(مر 7: 8). وعلاوة على ذلك فقد نبذ الله حرفيًا إحراق الناس قربانا للآلهة. وهذه أقواله :” لا تعطِ من نسلك محرقة تطيبُ رائحتها للوثن مولك لئلا تُدَّنسَ اسم إلهِك. أنا الرب” (أح 18: 21؛). بل طالب الله بقتل من يفعل ذلك (أح 20: 2)، وأمرَ ألا يفعلوا ذلك له هو:” لا تفعلوا ذلك نحو الرب إلهكم ، فهم فعلوا لآلهتهم كلَّ رجسٍ يكرهه الرب، حتى إنهم أحرقوا لها بنيهم وبناتهم بالنار”(تث 12: 31؛ 2مل17:17). ويُضيفُ إرميا أنهم حرقوها في وادي إبن هنّوم (جهنم)، لكنه يعلن بآسم الرب :” أنا ما أمرتُ بذلك ولا خطر ببالي”(إر7: 31) ويؤكد المزمورأنها محرقات للشياطين (مز106: 37). هكذا ليس الله من يرتاح الى الذبائح البشرية بل الشيطان!.

أما عن يفتاح أهو جهلٌ أم غباءٌ أم عادة حتى وعد الله أن يقربَ له محرقة أيا كانت دون تحديد؟ وحتى ينسى أنَّ الله يرفضُ القرابين البشرية وطلبَ التعويضَ عنها بالحيوان؟. أم هي فكرةُ إلزامية النذر أفقدته الصوابَ ولم يفطن لما كان بوسعه، بل يجبُ عليه أنْ يفعله؟.

بنتُ يفـتاح تبكي عُذريتَها !

كان على المرأة عارٌ ألا تنجبَ اطفالا. هكذا قالت اليصابات :” هذا ما أعطاني الرب يومَ نظر إليَّ ليُزيلَ عني العارَ من بين الناس “(لو1: 25). سبقتها راحيل زوجة يعقوب فصرحت كذلك عندما ولدت يوسف (تك30: 23). وكذلك يلحق العار الفتاة التي لم تتزوج. ولهذا شدَّد الكتاب على أنها ” لم تعرفْ رجلاً” (قض11: 39). قد يكون هذا العار إشارةً الى الوعد الذي أقامه الرب لحواء بأن واحدا من نسلها سيسحقُ رأس ابليس الذي أغواها فخدعها وجعلها تخسر مع زوجها نعمة رفقة الله ونعيم الراحةِ في فردوسِه (تك3: 15). فإذا لم تتزوج الفتاة فلن يكون لها أملٌ بأن يأتيَ هذا الطفل المخَّلص الموعود من نسلها فيغسل عارَ إنغوائها. وكانت المرأة العاقر ايضا تشترك في هذا العار لأنها فقدت هذا الأمل. ولهذا كان الطفل يُنتظر بفارغ الصبر لا فقط لأشباع غريزة الأمومة، بل أيضا لأنعاش هذا الأمل. ولا نستغرب عندئذ إذا كانت مريم تهتَّز فرحا وتصرخ بأن الرب قد صنع فيها عظائم وأنه حقَّقَ فيها ما وعده للآباء قديمًا.

القس بـول ربــان