الصيام يوم السبت : هل صحيح؟

أهلا وسهلا بالأخ أبو هاويل

إتصَّلَ الأخ أبو هاويل وقال: ” رأيتُ في الأنترنت أُسقفًا، ذا لحية طويلة، وسمعته يقول :” لا يجوز الصوم يوم السبت لأنَّه يوم الرَّب”. فهل هذا صحيح ؟  

أُذكُرْ يومَ السبت وكِّرسْهُ لي !

وأنا أيضًا رأيت وسمعت هذا القول وعرفتُ انَّه حبرٌ من كنيسة الروم الأرثذوكس. كما أتذَكَّر أننا في مدينتنا أيضًا لم نكن، قبل سبعين سنةً، نصومُ يوم السبت، إنَّما إدَّعى أهلنا أنَّه إكرامًا ” لمريم العذراء” وتوازيًا مع الأحد إكرامًا ليسوع، وليس لأنَّه يوم الرب. ولم تذكر وصيَّة الرب صومًا في يوم الرب (خر20: 8-11). إنَّ يومَ الرب في المسيحيةِ أصبحَ يوم الأحد ، وهو ذكرى قيامة المسيح، في اليوم الأول من الأسبوع وتجديده للخليقة. في الأحد تمَّ بدء الخليقة الجديدة وهو أصبح يوم الرب. الله لم يتوقف عن العمل ولم يرتح، كما أشاع موسى بل لا يزال يعمل:” أبي يعملُ في كلِّ حين، وأنا أيضًا أعملُ” (يو5: 17)، وقد عادى الفريسيون و قادة اليهود يسوع لأنَّه “لا يحفظُ السبت” (يو9: 16). والرسلُ من بدءِ البشارة قَدَّسوا الأحد عوضَ السبت :” وفي يوم الأحد إجتمعنا لكسر الخبز” (أع20: 7؛ 1كور16: 2). وبينما ” كانوا كلَّ يوم يلتقون في الهيكل للصلاة ” لكنهم ” يكسرون الخبز في البيوت” (أع2: 46) ، حتى أصبحت بيوتُ بعض العوائل الكنائسَ الأولى لآجتماع المؤمنين لآقامةِ القداس” (رم  16: 1 و 5). الأحد يوم الرب للمسيحيين، أما السبت فلليهود.

اليهود وصومُ السبت !     

صام اليهودُ أنفُسُهم أحيانًا يومَ السبت، مع أنَّه يومُ الرب، عندما كان يقعُ فيه” يومُ الكَفّارة “. .لذلك اليوم أمرَ الله ” تُذَّللون أنفسَكم بالصوم من مساء اليوم التاسع من الشهر السابع وإلى مساء اليوم العاشر…وكلُّ من لا يُذَّللُ نفسَه بالصوم في هذا اليوم أقطعُه من بين شعبِه ” (أح 23: 27-32). ونعلمُ أن أنبياءً وأبرارًا من العهد القديم صاموا ” أربعين يومًا وأربعين ليلةً” بدون أكل وشرب ماء : موسى (خر24: 18؛ 34: 28)، وايشوع بن نون (خر24: 13) ، وايليا النبي (1مل19: 8)، وصام دانيال ثلاثة أسابيع بلياليها (دا10: 2-3)، وأخيرا يسوع نفسه ” صام أربعين يومًا وأربعين ليلةً “(متى4: 2؛ لو4: 2). أثناء تلك الفترات الطويلة كانت الأيام تتعاقبُ بسبوتها وآحادها. فصاموا السبت أيصًا رغم أنَّه يوم الرب.

بين العهدين : القديم والجديد !

نعلمُ أن العهد القديم إنتهى مع يوحنا المعمدان، وآبتدأَ بيسوع المسيح،:” وسمع يسوع بآعتقال يوحنا فرجع الى الجليل، ثم ترك الناصرة وسكن في كفرناحوم… وبدأَ من ذلك الوقت يُبَّشرُ فيقول: توبوا لأنَّ ملكوت السماوات آقترب ” (متى4: 12-17). لم يصُمْ يسوع وتلاميذُه ” بينما العريسُ معهم” (متى9: 15). إنها فترة وضع أسس البناء الجديد :” لا أحد يُرَّقعُ ثوبًا قديمًا برقعةٍ من قماشٍ جديد ..ولا أحد يضعُ خمرًا جديدةً في أوعيةِ جلدٍ قديم.. بل توضعُ في أوعيةٍ جديدة” (متى9: 16-17). العهد القديم قد عتق وفقد مُبَّررَه وحتى أصحابُه ” لم يثبتوا عليه.. وسأقطعُ لبني يهوذا عهدًا جديدًا ..سأجعلُ شرائعي في عقولهم وأكتُبُها في قلوبهم ” (عب8: 8-10). وبعد ارتفاع العريس” سيصومون “، سيتخَّلقون بأخلاق المسيح (في2: 5) إذ يُصبحُ حياتَهم ومُحييهم (غل 2: 20)، ويتعاملون معه في تدبير شؤونهم. وقد صام الرسل فعلاً في مناسباتٍ إيمانية وعماذات (أع13: 3؛ 14: 23؛ 27: 9)، وقد مارسه بولس كثيرا وعانى منه (2كور6: 5؛ 11: 27). ربما كان عفويًا وطوعيًا إنما يبدو أحيانًا ” إلزامًا ” من وضع الرسل أو إتّفاقهم. وقبل نهاية القرن الأول الميلادي كان صوم الأربعاء والجمعة قد ثبت. وكذلك ثبت يوم الرب أنه الأحد، بشهادة كتاب ” تعليم الرسل”. وما كانت الكنيسة تعَّلمُه وتُقَّررُه إلتزم به المؤمنون إيمانًا بكلام المسيح :” من سمع إليكم سمع إلَيَّ. و من رفضكم رفضني..” (لو10: 16). والرسل تصَّرفوا حسب توجيهات الرب يسوع (متى 28: 19-20؛ أع1: 3).

المسيحي وشريعة العهد القديم !

ظهرت في العقود الأخيرة إجتهاداتٌ أو حنين الى العودة الى القديم، ويبدو أنَّها ستزداد، بحجَّة أنَّها من الله، ولكن بهدف تقويض أركان الأيمان بالمسيح ونسف المسيحية والمسيح من الأساس. ربَّما نسوا أن يسوع كان هو الله صاحب الشريعة القديمة والجديدة. نسوا أنَّ الشريعة بل وكلَّ العبادة في العهد القديم كانت” صورةً وظِلًّا للحقيقة السماوية ” (عب8: 5) التي جاء يسوع ليشهد لها، ومن” كان من أبناء الحَّق يستمع الى صوتِه” (يو18: 37). قال مار بولس: ” نحن نعلمُ أنَّ كلَّ ما تقوله الشريعة إنما تقوله للذين هم في حكم الشريعة. مع العلم بأنَّ ” العملَ بأحكام الشريعة لا يُبَّررُ أحدًا عند الله، لأنَّ الشريعة لمعرفة الخطيئة لا للخلاص ” (رم3: 19-20). كانت غاية الشريعة المسيح وهوأتى ونظم (رم10: 4). قبل الأيمان بالمسيح” كُنا محبوسين بحراسة الشريعة إلى أن ينكشفَ الأيمانُ المنتَظَر. فالشريعةُ كانت مُؤَّدبًا لنا إلى أن يجيءَ المسيح حتى نتبَّررَ بالأيمان. ولمَّا جاءَ الأيمان تحَرَّرنا من حراسةِ المؤَّدِب ” (غل3: 23-25). ففي المسيح ” تحرَّرنا من الشريعة لأننا متنا عمَّا كان يُقَّيِدُنا، حتى نعبدَ الله في نظام الروح الجديد ، لا في نظام الحرف القديم” (رم7: 6). فأصبح المسيحي خاضِعًا لنعمة الله وليس للشريعة ” (رم6: 14).