الجينات ، والخطيئة الأصلية

أهلا وسهلا بالأخ يوسف كريم.

قرأَ الأخ يوسف موضوع ” المعمودية والأطفال “، وعلَّقَ عليه سائلاً:

لِيْشْ الخطيئة الأصلية نتوارثُها بالجينات؟ 

الجينات !

نعرفُ أن الجينات تنقلُ ، داخل الجسم البشري، بعضَ الأمراض أو القدرات من الوالدين إلى “بعضٍ” من نسلِهما وليس الى كلِّ الأولاد. هذا مُثَّبَتٌ علميًا. وإن يبقى أيضًا غريبًا لماذا يرثُ بعضُ الأولاد وليس كلَّهم؟ وأيضًا لماذا يرثون بعضَ مزايا الوالدين وليس كلَّها؟. بمعنى يوجدُ في الأنسان شيءٌ أكثر من ” الجينات”، ويخُّصُ كلَّ البشر، كالعقل والحرّيةِ مثلاً. فكلُّ إنسان يملكُ التمييز والإختيار حتى لو بدرجات متفاوتة. و إن أحببنا مقاربة المقارنة يمكن أن نقول : للأنسان، كل إنسان، جينةٌ مُشتركة تدُّلُ على” إنسانيتٍه “، و ليس على فرادته الشخصية التي تُمَّيِزُه، في جِنسِهِ أو صفاتِه، عن غيرِه. وهذه الخصوصية يتوارثها الأبناء عن آبائِهم. وبتلك ميزة الحُرّيةِ والعقل يتمَيَّزُ الأنسان عن بقية الكائنات، كما تثبُتُ هويتُه الأنسانية. ليست هذه جينةً مادية حتى يتحكَّمَ بها العلم ويتصَرَّفَ بها. إنَّها جينةٌ من نوعٍ آخر. يمكن أن نُسَّميَها ” جينةً روحية ” واحدة ، يرثُها كلُّ إنسان بشكل روحي.

عالمُ الروح !

نؤمنُ أنَّ الأنسانَ صورةُ الله، وأنَّ حياتَه قبسٌ ونسمة من حياتِه (تك2: 7). فهو إِذن روحي. و نعرفُ أنَّ جسمَه ” ترابي”، فهو إذن مادّيٌ. ولكلٍّ من المادةِ والروح ميزتُها وقدراتُها الخاصّة. فما هو مادّيٌ وحِسّي يستوعبُه الأنسان سريعًا. أمَّا الروحي فلا يهضُمُه بسهولة. و هنا تدَّخلَ اللهُ ليوحيَ إلى الأنسان ويكشِفَ لهُ كيف تجري الأمور الروحية. يقول مار بولس: ” إنَّ أمور الجسد تقود الى الموت ..(لأنَّها) تمَرُّدٌ على الله، فهي لا تخضع لشريعة الله …أمَّا  المؤمن بالمسيح فيسلكُ سبيلَ الروح لأنَّ روح الله يسكن فيه” (رم8: 6-9). وإن كنّا نخلص من الخطيئة بـ” معمودية الروح القدس والنار”(متى3: 11) كما تطهَّر منها يوحنا المعمدان بقوة الروح القدس الذي” إمتلأَ منه وهو في بطن أُمِه ” (لو1: 15، 41)، فلأنَّ الخطيئة روحية، وإن كانت تتحَّققُ في الحواس. ذلك لأنَّ الأنسان وحدة واحدة وليس جزئين مشدودين الى بعضهما (بالبراغي!). والخطيئةُ خطيئةُ الأنسان وليست خطيئةَ الجسد، حتى تنتقل أو تُرفعَ بجيناتٍ أوطرُقٍ جسدية. تبقى الجيناتُ العاديةُ خاصَّةَ أفرادٍ محدودين وليس عامَّةً لكل الناس.     

والخطيئةُ دخلت، ” بإِنسان” !

وقال الوحيُ بفم بولس :” سرى موتُ الخطيئةِ إلى جميع البشر، لأنَّهم كلَّهم أَخطأوا” (رم5: 12). لذا يُقِرُّ داود أنَّه وُلدَ بالخطيئة، وكلُّ الناس مثله (مز51: 7). أَخطأوا لأنَّهم كانوا كُلُّهم موجودين في أصل الأنسان، في الجذع الذي منه نبتت بعدَه كلُّ الفروعُ، وكان الجذعُ قد تدَّنس وتشَّوه، ثم خرجت الأغصان، متتاليةً ، مُدَّنسة مُشَّوهة روحيا. ويُؤَّكدُ مار بولس إنتقال الطبيعة المُشَّوهة :” ومن أيام آدم سادَ الموتُ البشرَ… حتى الذين ما خطئوا مثل خطيئة آدم. إذ كان آدم صورةً لمن سيجيءُ بعدَه ” (رم5: 14). فجينةُ الخطيئة هي الأنسان لا جسدُه. و نحن البشر إنتمينا الى آدم بالجسد والروح. ومثله سننتمي إلى المسيح بالجسد والروح. أصبح يسوع، بالجسد، واحدًا منّا يُمَّثلُنا. ثمَّ وَحَّدنا معه في لاهوتِه بتناول جسده و دمه وجعلنا مثله أولادًا لله (رم8: 15؛ غل4: 4: 5) لأننا ” وُلِدنا ثانيةً .. من كلمة الله الحَّية الباقية ” (1بط1: 23). فآتحدنا مع المسيح بقوة الروح القدس ومتنا معه عن الخطيئة وقُمنا لحياة جديدة (رم6: 3-4). كما إنَّ وحدتنا مع آدم والمسيح لا تقوم على أسس مادية فقط بل  أيضًا روحية هكذا إنتقال الخطيئة وتطهيرُها لا يتمان بـ” جيناتِ الجسد” بل بـ” جينات روحِ الله ومشيئتِه “.