الجبابرة مساعدوا نوح ، من هم ؟

أهلا وسهلا بالأخت نارين توما.

شاهدت نارين فِلمًا عن نوح ظهرَ فيه أناسٌ عمالقة يساعدونه على بناء السفينة ، و يُدعون ، كما في الكتاب المقدس ، ” جبابرة ” ، فسألتْ :

1- من هم الجبابرة المذكورون في سفر التكوين ؟ هل ساعدوا نـوح ؟

ثم لما عاينت نارين رتبة غسل أرجل التلاميذ يوم خميس الفصح وكانوا ممن سيتناولون القربانة الأولى لاحظت أنهم كلهم ذكور بينما كانت رفيقاتهم من البنات يتطلعن اليهم بلهفة و يُصَّورنهم بحماس ، تألمت فأضافت سؤالا ثانيا ، هو :

2- هل يحَّــقُ غسلُ أرجل البنات يوم خميس الفصح ؟

الجــبابرة !

بعدما تكاثر الإنسان ودخل معركة الحياة إشتَّدَ ساعِدُه وتضاعفت خبرته في العمل والجهاد ظهرت أجيالٌ أو قُولي أنواعٌ من أناس أقوياء أشـدّاء يجابهون المخاطر ويؤدون أعمالا لا يؤديها غيرهم فصاروا قبلة الأنظار ومُثلا يُضربُ بهم المثل ويشارُ اليهم بالبنان سَّمَوهم ” جبابرة “. وذكرَ الكتابُ المقدس أول جبار مشهور، ربما بقامتِه كما بفعله ، هو :< نِمرود > ابن كوش ابن حام ابن نوح (تك10: 8-9). كما ذكر قوما منهم يُدعون بني عناق رآهم الوفد الذي ارسله موسى لتجسس فلسطين قبل دخولها وقال عنهم : ” وشاهدنا هناك من الجبابرة جبابرة بني عناقَ ، فصِرنا في نظرنا وفي نظرهم صغارا كالجراد “(عد13: 33). ربما كان جوليات ، مبارز داود ، ينتمي الى هذا القوم إذ كان طوله ” ست أذرع ٍ وشبرًا ” أى حوالي 3 أمتار(1صم17: 4)!.

أما جبابرة زمن نوح فكان لليهود أسطورة تدَّعي أنهم نسلُ ” معاشرة أبناء الله لبنات الناس ، و ولدن لهم أولادا ذاعَ اسمُهم من قديم الزمان ” (تك6: 4). أما بنو الله ، فكما يقول مفسروا الكتاب ، ليسوا أرواحًا نازلة من السماء بل هم نسلُ شيت بن آدم بن الله (تك4: 25؛ لو3: 38)، بينما ” بناتُ الناس الحسان ” فهن نسل قائين الخاطيء. على أية حال إنَّ الجبابرة هم الأفراد الأقوياء والأشداء في حياتهم وأفعالهم ” كنمرود ، صَّياد جبار أمام الرب ” (تك10: 9).

أما أن يكون الجبابرة قد ساعدوا نوح في بناء السفينة كما أراد مخرجُ الفلم أن يُظهره ، فذاك إيهامٌ فقط أو من بنات خيال المخرج ليُعطي لهم دورا ، أو ربما ليُعيدَ الحياة للأسطورة التي أكلَ عليها الدهرُ وشرب فانمحت من ذاكرة التأريخ. أو ربما أعطى صـفة وصورة الجبابرة لأولاد نوح أنفسهم ؟.

غسل أرجل البنات !

قبلَ أكثر من سنة، وفي فصح عام 2013 بالضبط غسلَ البابا أرجل فتاتين مع أرجل عشرة شباب مسجونين في روما. وفي الفصح الماضي أيضا غسل أرجل فتيات مع الشباب ، كما فعلَ بطريرك الكلدان في بغداد ، وكما صنعتُ أنا أيضا عندما غسلتُ في فصح هذا العام أرجل شباب معَّوقين ومن ضمنهم بنات. ليست العملية ثورة في التفكير اللاهوتي بل هي تطبيقٌ لنظرة شمولية أوسع وأعمق لمبدأ ” الكهنوت المسيحي العام ” الذي يتحلى به كلُ مسيحي إنتمى الى المسيح بالمعمودية فصار” تلميذا له” يشتركُ في وظائف يسوع الرسولية ، وهي : الكهنوتية والملوكية والنبوية. رسالة كل معَّمد هي رسالة الكنيسة العامة. ورسالة الكنيسة هي متابعة مهمة بناءِ ملكوت الله على الأرض. وهذا الملكوت يبنيه تلاميذ المسيح أولا بالشهادةِ له (لو24: 48 ؛ أع1: 8)، وثانيا بالتبشير والتلمذة والتعميد والتعليم (متى28: 19). ليس دور المؤمنين كهنوتيا خدميا إداريا مثل الأكليروس ، بل هو دورٌ حيوي ينبعُ من إيمانه وآلتزامِه بشهادة الحياة ليسوع. وفي هذا لا يختلفُ الذكرُ عن الأنثى.

من هذا المنطلق كسرت الكنيسة قيد الخوف وطوق العزلة من يوم أعلن المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني هذا الدور لكل مسيحي علماني أو إكليريكي. لكنها لم تقَّسر الظرف للعمل به حالا بل إنتظرت أن يحين الوقتُ تلقائيا ، عندما يوحي الروح القدس الى القادة أن يتصَّرفوا حسب مشيئة الله. فإذا كان كل مسيحي تلميذًا للمسيح ، فرتبة غسل الأرجل لا ترمز إلى سوى أنَّ الشعبَ المسيحي كله ” تلميذ ” ليسوع المسيح. وما الأثنا عشر الذين يغسلون أرجلهم سوى ممثلين ينوبون عن الشعب ويُذَّكرونه بدوره الأرسالي الروحي. ولم يكن الأمتناعُ عن غسل أرجل ” الإناث ” يوما دليلا لرفض تلمذتهن للمسيح. بل بدا الإمتناع من باب الحشمة في ظروفٍ يرفضُ المجتمع رفع المرأة الى مرتبة الرجل.

اليوم وقد إرتفع رصيدهن يبقى التمييز بين المرأة وبين الرجل في باب تلمذة المسيح لا فقط إجحافا في حقها بل تقصيرا في أداء رسالة الكنيسة في العالم. وليس ذلك من باب المساواة بين الأثنين ، لأن المساواة الأيمانية قد أقرها مار بولس نفسه (غل3: 28). بل من باب إعطاء المرأة في المجتمع كرامة تليق بها وتساعدها لأداء دورها بإيمان ومحَّبة. لا يجوز أن تُحرَمَ المرأة بعدُ من أحد مقومات عناصر رسالتها ألا وهو الشعورُ بدعوتها الى الشهادة ليسوع والأشتراك في بناءِ ممـلكتِه على الأرض. مثلَما تشتركُ ببناء المجتمع المدني لأنها مواطنة هكذا تشترك في بناء المجتمع الديني كونها تلميذة. وغسلُ الأرجل لا يعني سوى ذلك. أى أنَّ المسيحَ يُحبها ويدعوها مثل الرجل ومعه إلى متابعة رسالتِه والشهادة لقيامته ، كما قال يسوع للمجدلية ورفيقتها :” إذهبي الى الأخوة وقولي لهم… فرجعت وبشرت التلاميذ…” (يو20: 17-18 ؛ متى28: 7-10)، ومار بطرس لليهود ” ونحن بأجمعنا شهود على ذلك ” (أع2: 32).

إذن يحُّقُ للبنات أن تُغسَلَ أرجلهنَ مثل الصبيان ، بل وربمـا يجب !!!

القس بـول ربــان