التناول والإعتراف

أهلا وسهلا بالأخ غسّان عبدالأحد

سألَ الأخ غسان :” هل يمكن التقَّرب الى المناولة بدون الأعتراف؟. كان من قبلُ لا يجوز هذا الشيء أبدًا. وكان الكاهنُ يسألُ أحيانًا المتناولين ” هل إعترفت”؟. وكان يوجد في كلِّ كنيسة منابرُ خاصّة للأعتراف إِنفَقَدَتْ. وكان يُخَّصَصُ وقتٌ للأعتراف. أين كلُّ هذا الآن؟. ما التغييرُ الذي حدثَ من قراراتٍ أو أي شيء؟. يُرجى التوضيح “.

تـوبوا … خذوا كلوا !

أولَّ طلبٍ للمسيح في بدء بشارته، وبعد عماده التوبوي بآسم الأنسانية، هو: ” توبوا فقد إقتربَ ملكوت السماوات”. عاش الأنسان الى ذلك الزمن في البعدِ عن الله، سالكًا طريق الجسد، طريق الخطيئة. الله صار إنسانًا ليعيش مع الناس. جاء ليغسل الأنسان عن دنسِه وليُقَدِّسَه فيكون لايقًا بقداسة الله الساكن معه. علمَّه كيفَ يتحَّدى الشهوة والشر وأعطاه المثل في حياته. وقبل أن يموتَ المسيح كان آخرُ فعلٍ له أن أسَّسَ سِّرَ القربان المُقَّدس قائلاً : ” خذوا كلوا “، ليكون له غذاءًا يُقَّويه ضدَّ التجربة في مسيرته الروحية الجديدة، محافظًا بذلك على قربِه من الله ومشاركته حياتَه. فالتوبةٌ قطبٌ للحياة والقربان المقدس القطب الثاني. لذا فالمناولة سرٌّ قائمٌ بذاته، والتوبةُ سِرٌّ آخر مُتمَّيز ومختلفٌ عن القربان. نُطلقُ على التوبة كلمة ” الأعتراف”. في حين الجوهر هو التوبة. أمَّا الأعتراف فهو الأقرار بالخطأ وسرد الخطايا أمام الكاهن عندما يتوبُ الى الله.

ما يربط السِرَّين ببعضهما هو أنَّ قداسة الله تتطلبُ قداسة الأنسان الذي يقتسمُ الحياة مع الله. القربان غذاءٌ روحي يشترطُ سمو الروح في التماثل مع الله وينفي ويرفض كلَّ آختلاطٍ مع الشر. ولهذا نبَّه مار بولس المؤمنين بألا يكون تعاملهم معه كما هو الحال مع الغذاء المادّي للجسد. بل أن يميزوا الفرق ويحترموا قدسية السر(1كور11: 27-32). في كل قداس تدعو الكنيسة المؤمين الى التناول لأنَّه جُزءٌ من الذبيحة وتؤَّكدُ أنَّ القربان مُقَّدسٌ ويليقُ بالقديسين . أي تُنَّبهُ ضمنيًا أنَّ من يشعرُ بخطيئة تُثَّقلُ على ضميره ألا يستخِفَّ بالقربان بل أن يستعد له بتوبةٍ سابقة. ومن الأفضل أن يتوبَ الخاطيءُ قبل القداس، أي يستعد للتناول قبل أن يأتي الى الكنيسة. وبتعبير آخر تشبه التوبة حَّمامًا للتنظيف عند الشعور بالحاجة اليه، أمَّا التناولُ فهو مشاركةٌ في حياة الله في كلِّ قداس.


فليمتحن كلُّ واحد نفسَه !

وصَّت الكنيسة دومًا ما علَّمه مار بولس. ولم تفرض مُطلقًا ولا إشترطت إعترافًا في المنبر قبل التناول. وإذا فعله كاهنٌ فإِمَّا عن جهله بتعليم الكنيسة أو من غيرته على قداسة المؤمن. وربما من إجتهاده الشخصي وهو يتحَمَّلُ المسؤولية. ورفضت الكنيسة دومًا سؤالَ المقترب للتناول إن كان قد إعترف أولا. المتناول بالغٌ يفهم ايمانه ومسؤولٌ عن ضميره، فيتحكم في تصَّرفه. الله وحده يُقاضيه. الكنيسة سَهَّلت امرَ التوبة في الكنائس. ولمَّا كان يتواجدٌ كهنةٌ عديدون نظَّمت أن يجلسَ كاهن في المنبر، أثناء المراسيم الدينية لاسيما القداس، بينما غيره يقود العبادة. وبمناسبة الأعياد، خاصَّةً الفصحية، كانت تخَّصِصُ أوقاتًا للتوبة والأعتراف ليتمكَّن أن يستفاد منها أكبرُ عدد ممكن من المؤمنين. شَدَدَّتُ على الفصحية لأنَّ الكنيسة تشَّجع أولادَها وتدعوهم الى التناول الفصحي بنوعٍ خاص، للأشتراك في ذبيحة الصليب بشكل أوعى وقطفِ ثمار العيد.


أين كلُّ هذا ؟    

لم تصدُر قرارات جديدة فيتغَّيرَالحالُ آنيًا. ولا علاقة للمنابر بالظروف. كلُّ كنيسة كاثوليكية مفروضٌ فيها وجود منبر للأعترافات. وإذا لم يساعد هيكلُ البناء على ذلك فعلى الكاهن المسؤول أن يوَّفر فرصة التوبة للمؤمنين وأن يُنظِّم مكانًا وأوقاتًا للأعترافات. البابا نفسُه جلس في الكنيسة في المنبر وعَرَّف الناس، كما إعترفَ هو نفسُه أمام الكاهن. ليُعَّلم أنَّ التوبة ضروريةٌ مع تنظيمها خارج وقت القداس. قد تتحَكَّمُ ظروف الوباء، حاليًا، أو تتطور الحياة الأجتماعية، خاصّة نقصُ الكهنة، فيقتضي التغيير في الأساليب القديمة. أمَّا سِرُّ التوبة فلا يخضع لمزاج الأشخاص. ربمَّا يُؤَّثر عليه تقاعسُ المسؤولين أو إجتهاداتهم و عندئذ يواجهون تقصيرهم. ولكن أيضًا لا ننسى أنَّ الأهمال الأكبر من المؤمنين. قلَّ ايمانُهم وفترت غيرتُهم فيحتَّجُون بالف حُجَّة ليبتعدوا عن الأسرار. لنفترضْ أنَّه لا يوجدُ منبرٌ لكنَّ الكاهنَ موجود ولا يرفض خدمتهم. كم واحد خابرَ أو طلب من الكاهن سماعَ إعترافِه و رفضَ له؟. لقد قلَّ الشعورُ بالذنب. لقد تفاقمَتْ الثقةُ بالذات وفاضت القناعةُ بالوعي الخاص وحُرِّية الرأي. والكسلُ الروحي في تمادٍ والحُججُ مجّانًا !.

في الأسبوع القادم يقع الفصحُ، والكنيسة تدعو أولادها الى الأعتراف والتناول. ورغمًا عن جائحة كورونا تقدر الكنيسة وتريد أن تُلَّبيَ طلباتهم بتوفير وقت وكاهن وطريقةٍ للقيام بها. يبقى على المؤمنين إقتناصُ الفرصة، والتجاوبُ مع نداءِ الكنيسة، للتقَّرب الى الله بتوبة صادقة وغذاءٍ يُديم الحياة للأبد. 

و لأداء ذلك يبقى على المؤمن أن يُنَّسقَ مع المسؤول عنه. لنتَحَّدَ الكورونا ولنقض ِ عليه بإيماننا واثقين بتوجيهات الكنيسة وتعليمها.