التناول في كل قداس ، والأعتراف مرة في السنة !

أهلا وسهلا بالأخ عادل سبي

سمع الأخ عادل أحاديث الناس ونقاشاتهم حول أمور الدين وهي تجري في أغلب الأحيان في جهل وتبعًا لأقاويل وعادات. وما سمعه ليس فارغًا من الصحة ولكنه ليس قياسًا للحق. سمعَ يقولون : من يحضر القداس “يجب ” أن يتناول حتى لو يوميًا، والمُبَّرر أنَّ المتناولَ تُغفَرُ له خطاياهُ. كما سمعَ أنَّ على من يحضر القداس ويتناول أن يعترفَ مرَّةً واحدة بالسنة وهذا يكفي ولا يحتاجُ الى إعترافٍ آخر للتناول في الأيام الأعتيادية. فسـأَل : ما هو تفســيرُكَ ؟

القداس اليومي !

أمرتَ الكنيسة منذ أيامها الأولى ، وما تزال تأمُرُ الى يومنا، أن يشتركَ المسيحي في القداس . ولم يكن يُقامُ القداس إلا يومَ الأحد (أع2: 46؛ 20: 7؛ 1كور16: 2)، ثم بدأ الأحتفال بالأعياد وهي أيضا أيام الرب فشملَها الأمرُ أيضًا. ولم يبدأ بإقامة القداس اليومي إلا بعد ظهور الحياة الرهبانية المنتظمة داخل بنايات الأديرة، أى مع الحياة الجماعية لعدد كبير من الأخوة المتزَّهدين في الدنيا. وصار القداس غذاؤَهم الروحي اليومي. ولما آنتشرت الأديرة في المناطق السكنية شعر المؤمنون بالحاجة والراحة في آنٍ واحد الأشتراك في القداس مع هؤلاء الرهبان القديسين. وبعد أجيالٍ ولما تشكلت”الخورنات” ولم يكن يُقيم في جوارها دير أو رهبان بل كنيسة تتوسط الدور السكنية للرعية، إنتقلت إليها عادة إقامةِ القداس اليومي مع صلوات الصباح الرهبانية.

في بدء الكنيسة كان المؤمنون يشتركون في القداس ويتناولون. وإذا غابَ أحد أفراد الأسرة لمرضٍ أو شيخوخةٍ كان أفراد الأسرة الحاضرون يأخذون لهم القربان ليتسنى لهم المشاركة في القداس. والتناول كان، ولا يزال، جزءًا أساسيًا من القداس. لم يقل الربُ للتلاميذ صلوا مثلي، بل إصنعوا ما فعلتُ أنا أى قَدِّسوا القرابين ونالولوا الحاضرين. لهذا لم يُسَّموا القداس عبادةً بل ” كسرَ الخبز”. والخبزُ يُكسر للأكل. لأنَّ يسوع ” أخذَ خبزًا وباركَ ثمَّ كسرَ وناولَ تلاميذه وقال : خذوا فـكلوا ..”(متى26:26). فالمشاركة الحقيقية هي في التناول، أما الباقي فهو عبادة. ولهذا لم يرتبط التناول بالأيام بل بـ” كسر الخبز” أو إقامة ذبيحة القداس. ولا يفرقُ يوم القداس ولا نوعُه، إحتفاليا كان أم بسيطًا، بل لأجل تناول جسد الرب يجب أن يكون المؤمن روحيًا مستعِدًّا كما قال الرسول. وحتى يكون أهلاً يجب أن يُحاسبَ نفسَه قبلَ أن يتناول (1كور11: 27-28).

وفي كل قداس تقام رتبة غفران الخطايا. أوَّلها حسبَ الطقوس الشرقية التصالح مع الآخرين بتبادل السلام. وثانيهما المصالحة مع الله بطلب الغفران منه عندما نصَّلي :” يا رب إغفِرْ خطايانا وزّلاتِنا”. هكذا تُعطي رتبة القداس الفرصة للأستعداد الجيد للتناول. ولكن قد لا تكون هذه الرتبة بذاتها كافية لنيل الغفران بل يحتاجُ الواحدُ أحيانًا توبةً عميقة يشهد لها إعترافٌ فرديٌ عند الكاهن لاسيما عندما تُثَّقِلُ على الضمير خطايا مميتة. شهدت العقودُ الأخيرة في بعض الرعايا إنفلاتًا وآستعمال ما سُمّيَ بـ” الحلة الجماعية” في قداديس الأعياد والمناسبات مرة تلو الأخرى. كان ذلك مع الأسف خطأً حدث للجهل بتعليم الكنيسة. الحلة الجماعية مُعَّوَلٌ عليها فقط في حالات الخطر وآستحالةِ إيجاد مُعَّرفٍ لسماع الأعترافات. وإذا تمَّ ذلك مرَّة فلا يجوز تكرارُه والتناول على أساس تلك الحالة مرةً ثانية. إلا إذا تكررت حالة الخطر وآستحالة سماع إعتراف كل المؤمنين. لقد تعَوَّدَ الناسُ مع الأسف على ذلك و أهملوا الأعترافَ الفردي. ليس ضروريًا أن يتم الأعتراف أثناءَ القداس. بل ليس ذلك موَّفقًا. يمكن التوبة والأعتراف في أى وقت ويوم كان يُهَّيءُ له كاهن الخورنة فرصةً لذلك.

الأعتراف ، كم مرَّة بالسنة ؟

إنَّ الكنيسة تفرِضُ التوبة بالأعتراف أمام الكاهن بالخطايا ” أقَّلَهُ ” مَرَّةً في السنة، إلا إنها لم تقًل أنها تُغَّطي السنة كلها. التوبة والأعتراف مرتبطان بحالةِ الخطيئة التي يجبُ التخَّلُصُ منها قبل التناول، ولا إرتباطَ لها بالزمن. لو إفترَضنا أنَّ مؤمنًا إعترفَ في الفصح وتناول، وبعد شهرين حدثَ بينه وبين جاره شجار فقتله، أو سرقَ ماله، أو شهدَ عليه زورًا فسجنه فهل يحُّقُ له أن يتناولَ في قداس عيد العنصرة مثلا أو نهاية شهر مريم؟. طبعًا لا. إلا إذا تندمَ وتابَ وآعترف أمام الكاهن. وإذا إعترفَ وتناول ثم زنى وحلف بالكذب وأهملَ القداسَ ، عن كسلٍ وبدون مُبَّرر، لفترة شهرين أو ثلاثة ثم أراد التناول يوم عيد الميلاد لا يجوزُ له ذلك دون أن يعترفَ أولاً ويتطَّهرَ عن خطاياه. الأعتراف بالسنة مرة واحدة لا يعني الأقرار بالهوية المسيحية ولا يكفلُ عدم الوقوع من جديد في الخطيئة. حتى ولا التوبة والأعتراف المتواتر أيضا. إنما يُشبهُ الأعتراف قبل التناول عن حاجة بأخذ حمّام ضروري بعد إتّساخ الجسم. قد يبقى الأنسانُ أسبوعًا في البيت لا يتخطى باب الخروج ولا يفعل شيئًا في البيت غيرالنوم والأكل والمطالعة ولا يشعر بالحاجة الى أخذ حمام. وقد يشتغلُ أسبوعًا في الحقل أو البناء ولا يرتاحُ إلا إذا أخذ يوميا حماما ساخنًا عند عودته من الشغل.

هكذا قد يتناول المؤمن يوميا في القداس ولفترة طويلة ولا يخطأ ولا يحتاج الى الإعتراف. وقد يحتاج إلى الأعترافِ مرتين أو أكثر في الشهر الواحد لأنه واجهَ ظروفًا صعبة شاذّة قادته الى الخطأ. الموضوع يتعَّلقُ بالأستعداد الجيد للتناول بآحترام قداسةِ القربان.

القس بـول ربــان