الأحد الثاني لأيليا

تتلى علينا اليوم القراءات  :   اش30: 15-22 ؛ تث7: 7-11 2تس2: 15+3: 5؛متى 13: 1-23

القـراءة : اشعيا 30 : 15 – 22 :– لمَّا عصى الشعبُ اللهَ ذُلَّ وتأَلَّم. ولمَّا تابَ فأطاعَ  نَعِمَ بالراحةِ والخير. يُذَّكرُهُ النبي بذلك فيدعوه الى التوبة والطاعة.

القـراءة البديلة :  تثنية 7 : 7 – 11 :– يبقى اللهُ وفيًّا لشعبه أمينًا لكلمته وعهدِه. لا لأنّ الشعبَ مطيعٌ أو قويٌّ أو جَيِّدٌ، بل لأنَّه هو إختارَه وأحَبَّهُ فيرعاهُ كإِبْنِه. َ

الرسالة : 2 تسالونيقي 2 : 15 + 3 : 1 – 5 :– يحُّثُ الرسولُ المؤمنين على الثباتِ في الأيمان والصلاة ويدعوهم الى مقاطعةِ المُخالفين لشريعةِ المسيح.

الأنجيل : متى 13 : 1 – 23 :– يُعَلِّمُ يسوع بالأمثال، منها مَثَل الزرع. لا يفهمُ الشعبُ مغزاها. أمَّا الرسلُ فيُفَّسِرُها لهم يسوع فهنيئًا لهم.

كتابةً أم مُشافهةً !

 فترة التوبة تمتَّدُ ألى ظهور آية النجاة بصليب المسيح. ولهذا تتطلب التوبةُ والقداسة الصمودَ في الجهاد ضد الشَّر. والجهادُ يرتكزُعلى التقَّيُدِ بتعليم المسيح وسلوكه. وقد علَّم يسوع بكلامه الذي هو روح وحياة (يو6: 63)، وبمثله الذي هو نموذجٌ لكل سلوك ” أعطيتكم مثلا لتقتدوا به” (يو13: 15). عاش يسوع حياةً قدَّمها شهادة للحق والبر، وطلب من الرسل أن يشهدوا لها بدورهم قولاً وفعلاً :” أنتم شهودٌ لي ” في كل الأرض بالتبشير بتعليمي (أع: 8) والخدمة والتلمذة والتعميد والتعليم” ليعملوا بكل ما أوصيتكم به “(متى28: 19-20). و يختصرُها الرسول بقوله :” تخَّلقوا بأخلاق المسيح ” (في2: 5).

ليست المسيحية تعليمًا،” نظريةً ” تُناقَشُ فتخضع لفكر البشر وهواهم. إِنَّه ” حقيقةٌ ” تُعرَضُ  

على البشر نورًا يُضيءُ دربهم في الحياة. وأخلاقُهُ ليست إِختبارًا جَرَّبها المسيح لعَّلها تكون الأنفع. بل هي المثالُ الصادق والمضمون للحياة. فمن يريدُ أن يحيا حياةً حَقَّة، في راحةٍ و هناء، له في المسيح ما يشتهيه ويُساعِدُه. فالمسيحية إِذًا حياةٌ يطلبُها منا الله كي يشركنا في راحته ومجده ونعيمه. حياة الله هي حَقٌّ وبِرٌّ. ويسوع عاش الحَقَّ والبِر ليقتنعَ الأنسان أنَّه قادرٌ على ان يكون ” إِلَهًا” في سلوكه، لأن حياته من نفس الله، فلا تصعبُ عليه ممارسة القِيم الروحية. وليس منطقيًا أن تخلقَ العاطفةُ إِزدواجيةً في الأِنسان بين القول والفعل أو الفكر و العمل، أو الروح والجسد في التقوى والشهوة. الأنسان واحد لا ينقسم الى حياتين. بل يجب أن يحفظ التوازن والتلاؤُم بين الجسد والروح.  هذا من جهة.

ومن أُخرى لا تنقسم المسيحية بين ما هو مذكور في الكتاب وما هو مُعاشٌ بآسم المسيح قبل أن يُكتبَ الكتاب، لا بل لم يُكتَب في الكتاب، مادام المسيحيون عاشوا قِيَمًا وآستشهدوا من أجلها قبل أن تُكتَب. وبولس صريح العبارة بهذا الخصوص إِذ يقول:” حافظوا على التعاليم التي أخذتموها عَنَّا سواءًا كان مُشافهةً (ما تتناقله الشفاه دون أن تُثَّبت كتابةً بل تمَسَّكَ بها التقليد) أو بالكتابةِ إليكم” (2تس2: 15). وأوضَحُ من بولس يوحنا الرسولُ الذي لم يترَّدد في القول :” صنع يسوع أمام تلاميذِه آياتٍ أُخرى غير مُدَوَّنة في هذا الكتاب “(يو20: 30). وخـتَمَ: ” وهناك أُمورٌ كثيرة عملها يسوع لو كتبها أحدٌ بالتفصيل، لضاقَ العالمُ كلُّهُ، على ما أَظُّن ، بالكتبِ التي تحويها ” (يو21: 25). وهذا يقولُ لنا أن المؤمنين بالمسيح حفظوا عن يسوع، عن أعماله وأقواله، ما إِعتقدوه منه وتقَّيدوا به، كان حقيقةً فكرية أو خُلُقية، فأصبح تقليدًا لا تقُلُّ قيمته عن ما ذكره الكتاب ، لأنَّه حياةٌ عاشها المؤمنون كتعليم من الرب وحافظوا عليه.

وللعلم أنَّ رسالتَيْ بولس الى التسالونيقيين هما أولُّ نصوص العهد الجديد، حوالي سنة 51-52م، وإنجيلُ يوحنا هو آخر نص للعهد الجديد كُتب بين 95-100م. وهذا يقودُنا إلى التأَّكد من أنَّ حياة المسيح لا آنقسام فيها بين ما كُتبَ عنه (مكاتبة) وما أُخِذَ عنه (مشافهةً)، و بالتالي لا آنقسام في حياة المؤمن بين المكتوب والمُقَّلَد. حياة المسيحي أصبحت صورة لأيمان يتغذَّى من المسيح وكيف يُحَّولُ حياته صورة للمسيح، هو يعملُ فيه (غل2: 20). ايمان حَيٌّ لا يفصلُ القول عن الفعل بل يفعلُ بالمحبة (غل5: 6).

ولن يترَدَّدَ بولس في نهاية حياته أن يُعلن :” سِرتُ بينكم أُبَّشر بملكوت الله” يسودها دستورٌ و قانون (أع20: 25)، فسَّرها سفر التثنية بـ” القداسة والتوبة علامةُ المؤمن المُمَّيِزة له ” ( تث7: 6-9). وهذه القيم تُسمعها الكنيسةُ المؤمن، دوريًا سنةً بعد سنة، وتدعوه إلى أن يتقَيَّدَ بممارستِها. تدعوه الى أن يكون أَرضًا جَيِّدة يُثمرُ الواحد ” ثلاثين وستين ومائة ” (متى13: 8). تدعوه الى الإستفادة من تعليم المسيح وشهادة حياته فلا تذهبُ سُدًى ويخسر حياته. تدعوه ألا يتمسَّكَ فقط بحرف الكتاب بل أيضًا بروحِه.