الأحد الثالث للبشارة

ولادة يوحنا المعمدان

       دُعيَ يوحنا  نبِيًّا (لو1: 76) و سَمَّى نفسَه رسولاً و” قريبًا للمسيح ” ، صَديقَ العَريس (يو3: 28-29)

تتلى علينا اليوم القراءات :  تك18: 1-15؛ قض13: 2-24 أف3: 1-6 ؛ لو1: 57-66

القـراءة: تكوين 18 : 1 – 15 :– يتراءى اللهُ لآبراهيم بشكل ثلاثة أشخاص. يطلبُ أن يستضيفَهم. يقبلُ الله ثم يعِدُه بأنَّ سارة زوجتَه ستلدُ له إبنًا بعدَ سنة. لا يصعبُ على الله شيءٌ، ثم يباركُه إذ منه يأتي المُخَّلصُ الموعود.

القـراءة البديلة : قضاة 13 : 2 – 24 :– تقُصُّ خبرَ ولادة شمشون الجَبّار من والدين عجوزين عقيمين. إِنَّهما بارّان وسيكون إِبنُهما مُكَرَّسًا لله ويُنقذُ شعبه من العدُّو

الرسالة : أفسس 3 : 1 – 6 :– يدعو الرسول الى فهم سِرّ المسيح وفيه يتساوى جميعُ الشعوب، لأنَّهم مدعوون كلُّهم إلى الأيمان به والتعَمُّقِ في المحَبَّة، التي هي توسيعُ آفاقِ الأنسان بمقدار سِعَةِ الله.

الأنجيل : لوقا 1 : 57 – 66 :– يُذكرنا بولادة يوحنا وتسميتِه الأُعجوبية، وشفاءِ زكريا الذي يُنشِدُ لله راسِمًا صورةً لجوهر رسالةِ يوحنا التمهيدية للمسيح.

                        لِنـقرأ كلامَ الله بآنتباهٍ وآحـترام 

الصلاة الطقسية

الأحد الماضي كشفَ لنا سِرَّ الثالوث الأقدس الذي تجَّلى من خلال مريم العذراء بتجَّسد الله منها. هذا الأحد ترَّكز الصلوات أيضا على موضوع التجَّسد و مكانة  مريم فيه. أمَّا التجَّسُد فيتم بأن تتخِذَ الطبيعةُ الألهيةُ الطبيعةَ الأنسانية وتتَّحدَ بها. أمَّا مريم فستُصبحُ والدةً وأُمًّا ولكن ليس مثل بقية النساء، بل بإرادة إلهية قديرة تحمي طهارتها وتُثَّبتُ قداستَها.

الترأنيم الأربع

1+  ترنيمة الرمش : ” الذي لا تُدركُه الخلائقُ ولا تُحَدِّدُه حقَّقَ تدبيرَه لإنسانيتنا.

     فالطبيعةُ الألهية إِتَّحَدَتْ بالطبيعةِ الأنسانية التي إِتَّخَذَتْها ولم تتغَيَّر. والبتولُ

     ولَدَتْ بقداسةٍ المسيحَ قدرةَ اللهِ وحكمتَه. لهذا نُسَّبِحُه ونعترفُ به، كلُّنا، إبنًا

     واحدًا و مُخَّلِصًّا للعالم “*.

2+ ترنيمة السهرة : ” يا رب، إِفتقَدْتَ الخليقةَ بواسطةِ الأبنِ الحقيقي، الذي

     شوهِدَ مولودًا منكَ والذي حلَّتْ اليوم البشارةُ به وأبطلَت القولَ الذي حكم

     على جنسِنا:” يا آدم تعودُ الى التراب، لأنَّكَ أخطَأتَ”. والجموعُ الروحانية

     التي أُبْعدَها عن خدمتنا لأننا أَخطأنا، صارتْ رُسُلا ونادتْ لنا تجديدًا قائلةً :”

     بشراكم ! أَيُّها المائتون الفاسدون، هوذا وصلَ المخَّلصُ ليُحَرِّرَكم. لذا مَجِّدوا

     بلا آنقطاع المسيحَ مُخَّلِصَ العالم”*.

3* ترنيمة الفجـر: ” لِنُقَّدِسْ كُلُّنا بالتقوى شِفاهَنا بتسابيح الذي يُعطي النور” *.

4* ترنيمة القداس : ” تُحيطُ الملائكةُ عرشَ مجدِكَ المهيب أَيُّها الرَّب، ضابطُ   الكل. وأمام عظمتِكَ أيُّها المسيح يقفُ السرافيمُ بمهابةٍ لوقارِكَ ولا يتجاسرون أن ينظروا إليكَ. يصرخون بلا آنقطاع، بأصواتٍ قائلين : قدّوسٌ.قدّوسٌ.قدّوسٌ أنتَ يا مُحِّبَ البشر، المجدُ لك ” *.

الصلاة

قالت الصلاة أنَّ من يُولد من مريم هو:

أولا من دون أبٍ بشري. حبلت بآبنها، وهي بتول، من دون زرع بشري. وعَلَّقَ عليها ” المدراش” قائلاً: ” متى حدثَ مثلُ هذا ، أو سُمعَ قط أنَّ البتولات تنجبن أطفالاً من دون زرع “؟. ظلت مريم بتولا كلَّ حياتها. لذا قالت الكنيسة عنها ” إنَّها بتولٌ قبل الولادة، في الولادة (للمسيح)، وبعدَ الولادة “. و قد إستعملت إحدى الصلوات رمز عصا هارون اليابسة كيف أفرعت بقدرة الله (عدد 17: 16-25) دون سقيٍ ودون زرع ٍ في بيئٍةٍ مؤاتية للحياة. قالت: ” هكذا حبلت البتول ..تلكَ أثمرت دون زرعها أو سقيِها. وهذه حبلت، دون رجل أو زرع، بأمر الله”. ؛

وثانيًا إبنُها هو” إبنُ الله “. ومريم ليست ” إلَهَة “. ولا تقدر أن تُعطي اللاهوت لآبنها. لا تُعطيه إلا ما تملك. وهي تملك الناسوت فقط. أعطت الناسوت لمن هو أصلاٌ موجود قبلها، بل خلقها. حتى كتب مارأفرام شعرًا فيه تُناجي مريم يسوع وتسأله أن يُعَّلِمَها كيف تدعوه : إبنَها أمْ رَبَّها؟!. يصعبُ على الأنسان إحتواء فكر الله وقدرته لأنَّ ذلك يفوقُ إدراكه. فقالت ترنيمة الرمش :” إنَّ الذي لا تُدركُهُ الخلائقُ ولا تُحَّدِدُه قد كَمَّلَ تدبيرَه، مُخَطَّطَه، في إنسانيتنا “. لا يستشيرُ اللهُ أحَدًا في تخطيط مشروعه، ولا يطلبُ عونَ إنسان لتنفيذ نشاطِه الكوني. لا يحتاج الى أحد. لم يستشِر أحدًا ولم يستعِن بغيره عندما خلق، وكيف خلق. فهو الأدرى و الأقدر. إنَّما يُريدُ أن يشاركَ الأنسانُ في عملَه، حتى يستحِقَّ الكرامة التي أولاها الله له ويُثمرَها في سيادة الكون وكائناته.

ويَعرضُ على بعض الناس ليتعاونوا في تحقيق تدابيره ويؤَّدوا دورهم في فعله. وإلا فكلمةُ الله ” التي تخرج من فمه لا ترجعُ فارغةً إليه. بل تعملُ ما شاءَ أن تعمَلَه، وتنجحَ في ما أرسلها لهُ ” (اش55: 11). هكذا عرض اللهُ مشروعَه على مريم فقبلت أن تتفاعل معه. وعليه تم مخططُ الله ألا وهو أن تتحِدَ الطبيعةُ الألهية في المسيح بالطبيعةِ البشرية التي يتخِذُها دون أن تتغَيَّر. فللمسيح، الأُقنوم الأبن الثاني من الثالوث، طبيعَتان: إنسانية و إلَهية، لا آختلاط بينهما ولا إمتزاج ولا ذوبان، بل تمييزٌ وآتِّحاد. فنحن نؤمن بيسوع المسيح أنَّه إِلَهٌ حَّق من إلَهٍ حَّق. وأنَّه إِنسانٌ كامل ما عدا أنه لم يعرف الخطيئة (عب 4: 15). فيسوع إنسان يتصَرَّف بآسم الأنسان. بآسمنا طلب معمودية التوبة من يوحنا فآغتسل في مياه الأردن، و رفع الى الآب طلب الغفران من فوق الصليب. وهو إلَه تصَّرفُ كإِلَه فغفر خطايا كثيرين طلبوا رحمته ” مغفورة لك خطاياك ” (متى9: 2 ؛ مر2: 5 و9 ؛ لو5: 22؛ 7: 47).

التعليم

هذا الإتّحادُ بين الطبيعتين سَهَّلَ فحَقَّقَ عمليةَ خلاص الأنسان. فبناسوتِه يستغفرُ الأنسان ذنبَه ويُكَّفرُ عنه، وبلاهوتِه يرحمُه اللهُ ويُطَّهِرُه ويُعيدُه الى مجدِه. فقالت ترنيمةُ السهرة :” فجموع الروحانيين الذين إبتعدوا عن خدمتنا لأننا أخطأنا أعلنوا لنا الفرح  قائلين: بشراكم يا مائتين فاسدين، فقد وصل المخَّلصُ ليُحَرّرَكم…تعالوا وخذوا مجَّانًا صكَّ ذنوبكم.. لذا مجِّدوا بلا آنقطاع المسيحَ مُخَّلِصَ العالم”. فدعتنا ترنيمة الفجر الى أن نتقَّدَس بالتقوى ونُسَّبح المسيح نورَنا، القُدّوسَ ومُحِّبَ البشر، كما أنهَتْ ترنيمةُ القداس.