ألا يوجدُ قّـديسٌ يستجيبُ له اللـه ؟

أهلا وسهلا بالأخ صفاء جميل الجميل.

عانى الأخ صفاء من مأساة نزوح مسيحيي قره قوش وقرى سهل نينوى وتألمَ للكارثة التي حَّلت بهم فشَّردتهم وجعلتهم قّشًا في مهب الريح لا يعرف هل يستقرُ على بَّر، وأين؟. تألمَ لأنَّ الله على ما يبدو قد تخَّلى عنهم ولم يستجبْ لأدعيةِ المُصَّلين والعابدين. وقد شَّكَ كثيرٌ من المؤمنين في هويةِ إيمانهم !. وربما يئِسَ غيرُهم لأنَّ اللهَ سمحَ للأشرار بأن يفعلوا هذا ؟. فآستنجَدَ وصرخَ :

::–|| أ لا يوجدُ بيننا قدّيسٌ واحدٌ ليستجيبَ له اللـه ؟ ||–:: وأجابَهُ سائلُنا : لا أعلمْ !.

قدّيسون بشر : كثيرون !

ما أكثرَ منا من يدّعي أنه صالحٌ وقديس لأنه : يُصَّلي ويصوم ويقبلُ أسرارَ الكنيسة. لكنه يكرهُ جارَه وقد إختلفَ مع أقربائِه بسبب إرثٍ ، ومع أصدقائِه بسبب عدم دعوتهم له لحفلة عمادٍ أو زفاف ! كثيرون في الكنائس يقولون ” يا رب ! يا رب “، وخارجها يجهلون أعمال الآب السماوي. كثيرون يقولون لك : لم نزنِ ، لم نقتلْ ، لم نسْرقْ. لكنهم لا يبالون بالفقـير ولا يخضعون للنظام ولا يشتركون في حاجات رعاياهم ولا يسامحون من ظلمهم. لقد نسوا أنَّ القداسة ، وإنْ لم تكن بإجراء المعجزات ، لكنها ليست أيضا بمظاهر الأعمال التقوية للحياةِ الطقسية. فهي في شفافية النفس بان يكون الله يعملُ من خلالها،وهذه تحيا وتعملُ معه وبقـوَّتِه ، كما قال الرسول :” لستُ أنا الحَّي بعدُ، بل المسيح يحيا فيَّ ” (غل2: 20).

إسألوا تُعـطوا !

لقد قال الرب ” إسألوا تُعطوا، أطلبوا تجدوا، إقرعوا يُفتحُ لكم “(متى7:7). ثم وضَّح طريقة السؤال فقال :” كلُّ شيءٍ تطلبونه وأنتم تُصَّلون بايمان ، تنالونه “(متى21: 22). فربما تكون قلة ايمان المسيحيين فعلا سببًا في عدم إستجابة الله. وقد لا يُصيبون السؤال كما قال مار يعقوب :” لأنكم لا تحسنون السؤال ، لرغبتكم في الأنفاقِ على أهوائكم “(يع4: 3). قال يسوع ايضا ” أطلبوا أولا ملكوت الله وبِرَّهُ وباقي الخيرات توَّفرُ لكم. لا يهُّمكم أمرُ الغد ” (متى6: 33). فالسؤال هل دخلت طلباتُنا من هذا الباب ؟ أم كانت محاولة َ إستخدام ِ الله ليصون لنا أملاكَنا وخيراتِنا الأرضية؟.

طرقُكُم ليست طرقي !

هكذا قال اشعيا عن الله :” لا أفكارُكم أفكاري يقول الرب ولا ..” (اش55: 8). يوم بيعَ يوسفُ للمصريين عبدًا ثم صار ملكًا وذهبَ إخوته لشراء القوت ثم لما عرفوه قلقوا وتوَّقعوا أن ينتقمَ منهم ، أما هو فقال لهم : ” لا تتأسَّفوا ولا تستاؤُوا لأنكم بعتموني.. لقد أرسلني الله لأحفظ حياتكم. .. فما أنتم أرسلتموني بل الله..”(تك45: 5-8). ولما أخطأ داود الملك ، وهو قلبُ الرب !، وتابَ بكى وصامَ سبعة أيام وصَّلى كي لا يموتَ أبنُه ” ونام على الأرض متوسلا ” (2صم12: 17)، لكن اللهَ لم يستجبْ لهُ.

وعن أيوب ، إفتخرَ به اللهُ حتى سألَ الشيطان ” هل إسترعى آنتباهَكَ عبدي أيوب؟. فهولا مثيلَ لهُ في الأرضِ لأنه رجلٌ نزيهٌ مستقيمٌ يخافَ اللهَ ويحيدُ عن الشَّر”(أي1: 8). ولمَّا خسرَ أيوبُ أبناءَه وأملاكه ومواشيه كلها بيوم واحد تألمَ جّدًا وحزن بشدة ” فشَّقَ ثوبَه وجَّـزَ شعرَ رأسِه و وقع ساجدًا وقال: عُريانا خرجتُ من بطن أمي وعريانا أعودُ الى هناكَ. الرَّبُ أعطى والرَّبُ أخذ. تبارَكَ اسمُ الرب. وما خطيءَ أيوبُ مع هذا كله ، ولا عَتِبَ على الله ” ( 1: 20-22).وحتى لما ضربَه ابليسُ بالجرب ” من باطن قدمِه الى قِمَّةِ رأسِه ” تمَّنى موتَه ولعنَ مولِدَه لكنه لم يُجَّدفْ على الله ولا تذَّمرْ، بل قال: ” أنقبلُ الخيرَ من الله ، وأما الشَّرَ فلا نقبلُهُ ؟. ومع هذا كله لم يخطأ أيوب بكلمةٍ من شفتيهِ ” (2: 10). بل قال: ” لي تعزيةٌ بعدُ تُبهِجُني في عذابٍ لا يُحتملُ : أنني لم أنكِرْ كلامَ القدوس “(6: 10). وعندما ألمحَ له أحدُ ندمائِه بأنه ربما قد خطِيءَ ” هل الأنسانُ بريءٌ أمامَ الله ؟ (4: 17).. والى أيّ القديسين تلتفت “(5: 1)، رَّدَ ايوبُ ” حتى لو كنتُ بر يئًا لن أُجيبَ الله. لأنَّ خصمي نفسُه حاكمي ” (9: 15). وأضاف : ” لِيَصِبْني من الله مهما أصاب. لو قتلني الله لما قاومتُه ، بل لناقشتُ سلوكي لديه. هو حَّقًا مُخَّلِصي الوحيد”(13:13-16). لقد طفحَ كيلُ عذابهِ “الجسمي والنفسي ” فصرخَ : ” ثِقلُ يدِ الله يُثيرُ أنيني. ليتني أعرفُ أين أجدُهُ .. فأعرضُ أمامه دعوايَ وأملأُ فمي حُججًا. وأعرفُ ماذا يجاوبني ، وأفهمُ ما يقولُه لي..”(23: 2-5).

مع هذا كله صبرَ أيوبُ وبصبرِهِ ضُربَ المثلُ ، ولم يخطأ. وآلتزمَ أيوبُ الصِدقَ في كلامِه حتى مدَحَه الله عليه وآستجابَ صلاتَه بسبب ذلك ، ولامَ محاوريه على ريائِهم. وآنتهى خبرُ أيوبَ بانه إستَرَّدَ عافيتَه و آقتنى ثروةً مضاعفة وأولادًا إذ ” باركَه الربُ في آخر أيامِه أكثرَ من أولِها ” (أي42: 12).

ومن يثبت حتى النهاية يخلص ! متى10: 22

كان يوسفُ بارًا وصّديقًا وسمحَ الله لأخوتِه أن يبيعوهُ ولآمرأة فوطيفار أن تتهمَه حتى يوصله الى سُّدةِ العرش ليُنقذَ شعبَه ويكتملَ مخططُ الله في التهيئةِ لمجيءِ المخَّلصِ الموعود. وسمحَ لآبليسَ أن يُؤذيَ أيوبَ ليُفشلَ خططَه ويُنَّصرَ عليه الأنسان. ثبتُ لأيوبَ صِدقُ الله مثل براءَتِه الشخصية، لكنه لم يفهم حكمةَ الله في سلوكِه. كما سمحَ الله بآضطهادِ المسيحيين ، غربًا وشرقًا، ليُثَّبتَ نقاوة الأنجيل ويُؤكِدَ حقانية دعوَتها. كان صَلبُ المسيح وآلامُه عثارًا في نظر اليهود لأنه مكتوبٌ ” ملعونٌ من يُعَّلقُ على الخشبة ” ، وحماقة في نظر الوثنيين إذ كيف يكون إلاهًا من لا يُدافعُ ويحمي نفسَه ؟. و مار بولس أكد بأنَّ ذلك دليلُ ” قدرةِ الله و حكمتِه ” (1كور1: 24). والمسيحُ أكَّـدَ بأنَّ المسيحيين سوف يُضطهَدون ولم يُعَّزِهِمْ في ذلك بل هَّنأَهم عليه :” طوبى لكم إذا آضطهدوكم.. وآفتروا علكيم الكذبَ من أجلي. إفرحوا و آبتهِجوا ، إنَّ أجرَكم عظيمٌ في السماء ” (متى5: 11-12). وهكذا فعلَ الرسُلُ عندما جلدهم اليهودُ ” فآنصرفوا مسرورين ، ذلك بأنهم وُجدوا أهلاً لأن يتلقوا الإهانة من أجل الآسم ” (أع5: 41).

فالأمرُ ليسَ إذن في وجود قديسين بيننا أو لا. إنه كيفية النظر الى الأمور وبأي قياس تُقَّوَم. ما هي مشيئة الله ؟. ما هو إيماننا ؟. ماذا ينتظرُ اللهُ منا : هل أن نشهدَ له فنحملَ صليبنا و نسلكُ دربَ النكران والبذل والألم ، أم أن نُطالبَهُ أن يُحافظَ على حياتِنا وثرواتِنا؟. هل يريدُ منا أن نحفظ كلامه ونحيا في المحبة ونسامح ، أم نريدُ منهُ أن يُمَّيزنا عن غيرنا ويوَّفرَ لنا المالَ والجاه حتى لو أضعنا الحقيقة وتهنا وراء أباطيل العالم؟. قالَ الرَّبُ ” أنتم شهودٌ لي وليس جيشٌ يحاربُ عني”. وإذا أرادَ لنا أن نتشَّبه به في ألألم والضيق والتضحية قبل دخول مجدِه فهل نرفُضُ ذلك ،أم نسرعُ اليه كما فعل الشهداءُ الأولون لئلا يفوتَنا إكليلُ النصر و المجد؟. يقولُ مار بطرس: ” إذا تألمَ أحدُكم لأنه مسيحي فلا يخجل بذلك ، وليُمًّجد الله” لأنه إمتحانٌ من الرب ، بل” إفرحوا بقدر ما تشاركون المسيحَ في ألامِه” (1بط4: 12-16). و يتمنى بولس ذلك فيقول :” و إذا تمَّ لي فشاركتُه في آلامِه وتمَّثلتُ به في موتِه ، لعَّلي أبلُغُ القيامة من بين الأموات “(في3: 10-11) ، لأنَّ ” آلامَ هذا الدهر لا تقاسُ بالمجدِ المزمع أن يتجلى فينا “(رم8: 18).

وكذلك قد لايكون صحيحًا بأنَّ الله لمْ يستجبْ لنا!. من يدري أنه لم يحفظنا من كارثةٍ أسوأ؟. ومن يدري أنَّه لن ينقلبَ الوضعُ ، بحق آلامِ النازحين وذبيحتِهم، الى خير أعظم للكنيسة و البلد معا؟. إننا لا نرى الأمورَ أبعدَ من أنوفِنا. ولا نراها إلا من منظارنا البشري الضَّيق كما رأى العالمُ يسوعَ على الصليب. ربما نحتاجُ الى أن نغَّيرَعدساتِ بصرنا لنجعلها أقوى إيمانا وأسمى روحا فنرتفعَ الى فكر الله وتخطيطه ، لنحيا معه وفيه وله (رم11: 36).

القس بـول ربــان