أكيتو ورأسُ السنة

أهلاً وسهلا بالأخ زيد.ج. سـاكو

سألَ الأخ زيد عن -:  مَنْ هو أَكـيـتو ؟ وما علاقة السنة البابلية بالمسيح وميلاده ورسالته ؟ وأَيَّ تقويم ٍ نتبع كمسيحيين : الميلادي أم  أكـــيتـو ؟

مـدخل !

إحتفلَ قبلَ يومين :- الأحد 29/ 3-: مسيحيون عراقيون في أُستراليا بعيد ” رأس السنة – أكيتو- ألـ 6770 وكانوا آشوريين. و تحَدَّثت أنباءٌ أُخرى عن أكيتو ” رأس السنة البابلية الكلدانية ” ولكن الـ 7320. وإذ لم أكن خبيرًا بمن هو أكيتو أو ما هو سوى أنَّه إحتفالٌ برأس السنة البابلية، وكان الأحتفالُ يجري، أتذَكّرُ في العراق، في 1/ 4 نيسان فآلتجأتُ الى المصادر التأريخية لأَتمَّيز، هل هو نفس العيد أم مُختلف، لأنَّ الفرقَ بينهما 550 سنة!. و تبَيَّنَ لي ما يلي :

عيدٌ يَحتفلُ به سُكَّان جنوب العراق من عهد السومريين. ولا غرابة إذا إحتفل به البابليون الذين إستولوا على إرثِهم الحضاري والثقافي والديني ، كانوا كلدانًا في البداية أم آثوريين لاحقًا. وأنَّ الأسم ” أكيتو” لا هو إلَـهي ولا حدث تأريخي. بل هو مُرتبطٌ بالأرض وخيرِها وبالحِسِّ الديني بأنَّ كائنًا إلَـهيًا وراء هذه الحياة وخيرات الأرض.

أَكـيـتـو !

أمَّا الأسم أكيتو هو كلمة سومرية/بابلية تعني ” الشعير”. أمرٌ غريب!. هل كانوا يعبدون الشعير كما عَـبَدَ غيرُهم كواكب أو حيوانات؟. لا. أتذكر وأنا صغير كان والدي فلاّحًا يزرعُ الحنطة ( طعام الأنسان ) والشعيرَ( طعام الحيوانات ). وكان يقولُ أنَّ الشعيرَ يكتملُ ويستوي قبل الحنطة. وفي سهل العراق الجنوبي يتمُّ حصادُه قبل مُنتصف نيسان لحرارة المناخ ولتوَّقفِ الأمطار. وكان يُكَّررُ المثل :” في عشرين نيسان تملاُ اكوامُ الشعيرِ الميدان ” !. ويُحتفلُ بعيد أكيتو مع نهاية آذارـ بداية نيسان ويدوم إِثني عشرَ يومًا. ولكل يوم إحتفالٌ خاصٌّ به. في الربيع يتجَدَّدُ الكون. والربيع ُ يبدأ من 21/ 3 آذار، سّمَّاه الأكراد ” نـوروز، اليوم الجديد”. وأول ثمر لخيرات الربيع يُخزن للسنة كلِّها هو الشعير. فيُكَّرمُ الشعبُ إِلَـهَه ” مردوخ ثم إبنَه نبو” على عطيته هذه. فيكون إحتفالُهم عيدًا بهيجًا ومُقَدَّسًا. وبما أنه يُعادُ سنويًا فأصبحَ تقليدًا حضاريًا قوميًا ودينيًا. وبما أنَّ “الإلَه مردوخ” هو نفسُه ” الإله آشور” فلا غرابة أن يحتفل به الآشوريون أيضًا، بالإضافة الى الأهداف السياسية. وسنحاريبُ الملكُ الآشوري بنى، سنة 683ق.م.، مخزنين لحفظ الأَكيتو أحدَهم في آشور والثاني في نينوى. وآحتُفِلَ بأكيتو على عهد الساسانيين بل حتى الرومان في سوريا، في بداية القرن الميلادي الثالث بآسم : عيد إلَه الجبل !.

ولماذا إختاروا بدء الربيع لهذا الأحتفال وثبَّتوه رأسَ سنتِهم الجديدة، في حين ثبَّت شعوبٌ آخرون رأسَ سنتهم في الشتاء أو الصيف ورُبَّما حتى في الخريف؟. ذلك لأنَّ شعوبَ وادي النهرين آمنوا بأنَّ بدءَ الخليقةِ هو في الربيع. هو أفضلُ فصلٍ : فالجوُّ دافئ، وطعام الأنسان والحيوان من الأرضِ يُجَّهزُ فيه، حتى تستمِرَّ الحياة. وفي الصيفٍ يشتغلُ الأنسان وتُعطي الأشجارُ ثمارَها وتكتملُ مؤونةُ الشتاء حيث يرتاح الأنسان والحيوان والأرض. فبدء الربيع إذًا أفضلُ وأقدسُ وقتٍ للحياة، فيحتفلون به ويفرحون ويُكَّرمون آلِهَتَهم.

ما علاقة السنة البابلية بالمسيح ؟

لا علاقة مباشرة للسنة البابلية بالمسيح. علاقتها هي فقط على أساس أنَّ كلَّ شيءٍ خلقه الله، واللهُ مصدرُه. والمسيح هو الله الكلمة الذي” به كان كلُّ شيءٍ، وبغيرِهِ لم يكن شيءٌ مما كان “(يو1: 3). وكان ” الله الكلمة ” قبل تجَّسده وبعده هو نور حياةِ كل إنسان. يمكن أن يكون للسنة البابلية علاقة بالمسيحيين أبناء وادي الرافدين. أين أصبح السومريون والبابليون و الآشوريون أصحاب أكيتو؟. هل إنقرضوا وآنتهوا؟ أم أصبح نسلهم مسيحيًّا أم مُسلِمًا؟. إنَّ سكان ما بين النهرين الأصيلين هم اليوم المسيحيون، أضِف إليهم العربَ المسلمين القادمين من الجزيرة العربية. والمسيحيون لا يؤمنون بمردوخ أو نبو أو آشور آلِهَةً. لكَّن حضارتهم الأنسانية آتية من أجدادهم البابليين، الأوائل في فلاحةِ الأرض وقراءة الفَلَك وتنظيم الحياة. ولا زالوا يعيشون على نفس الأرض التي إحتفظت بميزتها البيئية الخاصّة. ولهم الفضل في تنظيم السنة والعبادة لله بغَّضِ النظر عن نوعها. والأمر الوحيد الذي يمكن أن نعتبره علاقة مع المسيح هو فعلا أكيتو الذي هو إعترافٌ بوجود الله (والله الكلمة موجود من الأزل ، قبل إبراهيم ــ<يو8: 56-58>)، وبأن الله خالقُ كلِّ شيء يستحِقُّ التبجيل والعبادة.

أيَّ تقويمٍ نتبع ؟

كلُّ الديانات لها تقويمٌ زمنيٌّ يخُّصُ رأس السنة عدا المسيحية. للإسلام سنتُه الهجرية و المتنقلة. ولليهوديةِ سنتُها القمرية بدءًا من الربيع. أما المسيحية فسنتُها دينية عبادية لله وتبدأ من الخريف، تبَعًا لحدث ميلاد المسيح فقيامتِه ومُنَّظمة حسب أحداث حياة المسيح ورسالته. تبدأ من البشارة بالمُخَّلص وتدور حول أحداث التدبير الخلاصي وتنتهي بالأستعداد للحياة الأبدية في السماء. أمَّا التقويم الميلادي المعمول به فهو من قبل ميلاد يسوع المسيح ورأسُ سنته في 1/ كانون الثاني. كان موجودًا تتبعه كل الشعوب التابعة للأمبراطورية الرومانية. ونظَّمت عليه المسيحية أعيادها وحاجاتها الزمنية لتُكَّمل رسالة المسيح. مركز طقوسِ السنة  المسيحية هو عيد القيامة الذي يقع دوما في الشهرالأول من الربيع (23 آذار– 24 نيسان). ولم تُعطِ أهميَةً كبيرة لرأس السنة في 1/ 1. بل إكتفت بأن تبدأ السنة مهما كان بيوم مقدَّس فوضعت فيه عيدًا لختانة المسيح. ثم جعلته يومًا للسلام العالمي.

فتقويمنا الزمني حاليًا هو تقويمُ أوربا مُطَّعَمًا بحياة المسيح ورسالته. وعليه نتبعُه بدون شكّ حتى لو ظهرت مئاتُ تقاويمَ أخرى ورؤوسُ سنةٍ مختلفة، إنَّما نتبع دومًا التقويم الأفضل و الأعم. والحالي هو أفضلُ التقاويم وأضبطُها علميًا وقد تعَّودنا عليه منذ الفي سنة. إنَّما ضبطت عليه الكنيسةُ أحداث حياة المسيح، ولم تبدأ به منذ ميلاده. كان ينطلق سابقًا من تأسيس مدينة روما وتبعته إلى أن تمكَّنت فتبنَّت ميلاد المسيح إنطلاقًا لتاريخها. لكنها لم تُغَّير رأس السنة لأنَّه علمِيٌّ ولا يُغَّيرُ شيئًا في ميلاد المسيح ورسالته.

وعلى ما أعرف أنَّ الأحتفال بأكيتو، راس السنة البابلية، هو حدثٌ تراثي وحضاري لا أكثر، ولا يمنعُ الأيمانُ المسيحي بالتذكير به وتقدير الحضارة البابلية، حضارة أجدادنا، و تقييم عمل الأنسان ما دام لا ينكرُ الله ولا يُعيقُ رسالة الخلاص. ولا أتصَوّرُ أن لأحدٍ نيَّةَ تغييرِ التقويم الميلادي، كلّيًا أو جزئيًا، وتبَّني تقويم ٍ عفى عليه الزمن.